المعتصم البوسعيدي
يقول نجيب محفوظ: "كان سعد زغلول يستمع لنصائح الشيوخ، لكنه يتبع غالبًا آراء الشباب"، وفي عالم كرة القدم على وجهِ الخصوص تتجلى هذه المقولة في مشهدٍ مُستمر منذُ عشرِ سنوات تقريبًا؛ هناك "شيوخ" مُدربين رغم تاريخهم ونجاحاتهم وفلسفتهم القدوة، إلا أن نجمهم بات يأفل ـ نسبيًا ـ مُقابل "شباب" مُدربين تبوأ نجمهم علياء السماء.
إن بُرهان نجاح ثورة الشباب ليس ببعيد عنا؛ فالتفاتةً سريعةً على دفةِ قيادة الجهازِ الفني لأنديةِ نصف نهائي دوري أبطال أوروبا الأربعة (ريال مدريد، بايرن ميونخ، ليفربول، روما) تجعلك تُشاهد ثلاثة شبان مقابل "شايب" واحد، ثلاثة منهم زيدان الذي قاد ريال مدريد لإحراز آخر لقبين للبطولة الأفضل على مستوى العالم، وليس ذلك فقط؛ بل نرى اليوم أن أفضل أندية أوروبا في الفترة الحالية أو حتى قبل ذلك بسنوات يقودها شبان استطاعوا تحقيق نجاحات كبيرة جدًا بإحصائيات رقمية وقيمة فنية عالية كالمدرب الرائع جوارديولا قائد أفضل نسخة من النادي "الكتلوني" العريق برشلونه، علاوة على "سيميوني" الأتلتيكو مدريد، "وكونتي" اليوفي وتشلسي، "وماوريسيو بوكيتينو" توتنهام، وهناك امتداد بسيط للشباب ذي نجاح ملحوظ على مستوى المنتخبات كحال المنتخب الألماني والفرنسي والإسباني، كل تلك الأمثلة التي تعطي مؤشر التغيير الحاصل، والثورة التي لا تزال تجابه من مجموعة العهد القديم أصحاب الثروة الهائلة من الفكر والتاريخ التدريبي المشرف.
يقف اليوم "هانيكس" وحده في وجه ثورة الشباب، وهو الذي لم يبدأ الموسم مع بايرن ميونخ، لكنه استطاع لملمة النادي وتحقيق بطولة الدوري والوصول به على بعد خطوة من نهائي الأبطال، خطوة محفوفة بالخطر الكبير تتطلب تجاوز عملاق أوروبا وحامل اللقب الملكي ريال مدريد، ولا شك أن الحظوظ متساوية، فيما غرق أغلب "الشيّاب" في بحر الشباب، ولعلَّ أبرزهم المحنك "فينجر" الذي أعلن رحيله الأبدي -ربما- عن التدريب نهاية هذا الموسم، ولم يتبقَ له سوى كأس محلية وأخرى أوروبية في كاس الاتحاد الأوروبي، فيما تجرع مورينيو المرارة مرات ومرات خاصة هذا الموسم، وقبلهما ومع بداية الموسم رفع "أنشيلوتي" الراية البيضاء، وما بين الثورة والثروة نرى المسار ذاته يحدث على مستوى رئاسة الأندية مع الانفتاح الاستثماري الكبير، الذي شهد دخولاً عربي يقوده الخليفي في النادي الباريسي، والشيخ منصور بن زايد في "مانشستر سيتي"، إضافة للاستثمار الصيني الذي أطاح "بعواجيز" قطبي ميلان برلسكوني وجالياني وماسيمو موراتي.
في الواقع العربي نحتاج بالفعل لتمكين الشباب رغم وجود بوادر جيدة في هذا الجانب؛ فنجد حسام البدري يسير القيادة الفنية في نادي بحجم النادي الأهلي المصري، كما وجدنا في فترة سابقة سامي الجابر على هرم تدريب الزعيم الهلالي ومن بعده قاد نادي الوحدة الإماراتي وأخيرًا نادي الشباب السعودي، قبل أن يزداد الأمر ثقة بتربعه على عرش رئاسة نادي الهلال ضمن تغييرات جذرية تحدث في الكرة السعودية منذ قدوم تركي آل الشيخ، ورغبة القيادة السياسية التي ينتهجها نحو الارتقاء أو لنقل محاولة الارتقاء بالرياضة السعودية التي سيُنظر إلى نتائجها بعد حين.
أما واقعنا المحلي، فأعتقد أن التدريب يعيش فترة شبابية جيدة -إن صح التعبير- سواءً على مستوى المنتخبات أو حتى الأندية، مع أهمية أن يجد مساحة وثقة أكبر، علمًا بأن المدربين الأجانب في بعض أنديتنا هم من شباب المدربين كحمزة الجمل ومراد مولاي، ومن الأشياء الجميلة على مستوى الأندية أن نجد نجوم الرياضة التي عاشت تجربة ميدانية تمسك زمام الرئاسة؛ ذلك يحدث اليوم -على سبيل المثال- مع أحمد الحبسي في نادي المضيبي، والطيب عبدالنور في نادي مجيس، إضافة لتمكين اللاعبين على مستوى مديري المنتخبات والأندية مثل بدر الميمني وأحمد حديد وفوزي بشير، وعسى أن يحدث ذات الأمر بشكل أكبر على مستوى قيادات الاتحادات واللجان دون التقليل مع العمل الحالي في الوجوه الشابة التي تسجل عطاءات مبشرة وداعية للتفاؤل، وعلى كل حال فأن ترجيح معادلة الشباب يجب أن يُبنى بالتوازن بين ثورة الشباب وثروة "الشيَاب"؛ فكليهما خير طالما الفكر يصل إلى غاية نبيلة وأهداف طموحة.