خبراء: نحتاج إستراتيجية "بفكر جماعي" وإدارة احترافية للإمكانيات

الاستثمار الرياضي في السلطنة.. عوائد "شحيحة" وأندية متعثرة

 

الرؤية - وليد الخفيف

قلَّل خُبراء رياضيون ومُختصون من حجم العوائد المتحقَّقة من ملفِّ استثمارات الأندية -بشيقه التجاري والرياضي- واصفين إياها بـ"الشحيحة"؛ فالأندية مُتعثرة، ومعظمها سقط في فخ الديون، فيما يحاول البعض الآخر أداء الواجب بشكل تقليدي دون إبداع؛ الأمر الذي يُهدر مساعيها في صنع اسم تجاري يُدر عليها حقوق رعايات مالية، أو المبادرة بإنشاء مشروعات استثمارية ذات دخل مادي مستدام، منوهين بأن إيجار المحلات والملاعب ذات العُشب الصناعي لا يُمكن وصفه بالاستثمار الذكي الذي يواكب العصر؛ فعوائد الملف "لا تغادر الكلام الإنشائي".

وقال الشيخ علي سعيد فاضل الخبير القانوني بوزارة الشؤون الرياضية: لم نُحقق حتى الآن النتائج المرجوة من الاستثمار بشقيه التجاري والرياضي، فلا تزال مُؤسساتنا الرياضية تعتمد على الدعم الحكومي ومنح وعطايا مُحبِّي النادي وداعميه في المقام الأول، دون أن تُقام مشاريع استثمارية حقيقة ذات عائد مادي محدد بخطة زمنية واضحة ومستدامة، يُمكن أن توضع بدقة في الموازنة السنوية للنادي. وأضاف: تأخرنا كثيرا في تطوير هذا الملف؛ فالرياضة صناعة ومصدر لتعزيز الموازنات العامة للدول. أما في السلطنة والدول العربية، فلا يزال الملف مُستهلكًا للأموال. مشيرًا إلى أنَّ الاستثمار الرياضي الحقيقي فكر آخر يُفصح عن مشروعات استثمارية ذات أبعاد خدمية وتجارية تضمن تحقيق عائد مستدام، يخدم النادي ماليا، وأبناء المنطقة خدميا.

ولفت الخبير القانوني بوزارة الشؤون الرياضية إلى أنَّه "كانت لبعض الأندية محاولات، ولكن النجاح ظل مرهونا بجدية المستثمر التي لم تكن على القدر المطلوب، فهناك مشاريع ما زالت رسمًا على ورق لم تر النور. ووصف تجربة الاستثمار في نادي العروبة بالناجحة، مُمتدحا جهود الرئيس السابق للنادي الشيخ عبدالله المخيني، قائلاً: "التجربة ناجحة بكل المقاييس، فمساعي المخيني دللت على فكره المتجدد ذي الأفق البعيد، وإيمانه بقيمة العائد المستدام لسنوات؛ فالعروبة يحصل على 180 ألف ريال سنويا من "كارفور" الذي بني على أرضه، وصولا لـ270 ألفا حتى انتهاء فترة الانتفاع، ومن ثم امتلاك العروبة للمشروع  بأكمله". ويرى فاضل أن التوافق بين وزارة الشؤون الرياضية والأندية والاتحادات الرياضية، ووضع لائحة تنظيمية استثمارية هي أولى الخطوات لنجاح هذا الملف، مشيرا إلى أن الوزارة لم تدخر جهدا في إنجاحه، بل لها مساعيها الحثيثة التي يجب أن تلتقي مع أهداف الأندية والاتحادات الرياضية.

وشدد على ضرورة إعادة صياغة إستراتيجية الرياضة العمانية بثقافة جديدة قابلة للتغيير والتعديل بأهداف حقيقية ملموسة وواضحة، يكون على رأسها الاستثمار وصناعة النجاح في الموارد البشرية، موضحاً: يجب أن تكون إستراتيجية يشارك أطراف عدة في وضعها، لا أن تكون إستراتيجية أشخاص أو أفراد تتعثر بتغيرهم، بل ثابتة للجميع تتوافق مع الأوقات ومع كل الأشخاص المعنيين، فيكون أساسها رؤية عمان 2040.

 

نحو نقلة نوعية

بينما قال الإعلامي طلال العامري إنه ورغم الجهود الحكومية المبذولة لتعزيز سبل الاستفادة من عوائد هذا الملف، إلا أننا ما زلنا بحاجة لمزيد من العمل الصحيح لتحقيق النقلة النوعية المرجوة. مشيدًا بالجهود الرامية لتطوير البنية الأساسية الرياضية سواء في الاندية وكذلك التوسع المتنامي في بناء المجمعات الرياضية. موضحًا أنه "لا يُمكن إقامة مشاريع استثمارية دون بنية أساسية جيدة؛ لذا كانت المكرمة السامية والمساعي الحكومية المتواصلة، والآن يتعيَّن على الأندية أن تستفد من ذلك، وتسعى جاهدة لإعداد ملف استثماري كامل الأركان يتضمن المعطيات والأدوات المتاحة، وأن تستفد من المشورة الفنية من وزارة الشؤون الرياضية، فكل التصورات الرامية للتطوير تحظى باهتمام بالغ من قبل الحكومة والشواهد تدلل على ذلك".

وتابع العامري: نحتاج لعمل كبير لتطوير هذا الملف، فلابد أن نمتلك إستراتيجية واضحة المعالم لاستثمار مواهب لاعبينا، وكذلك المدربين والإداريين. فالاستثمار البشري له عوائد اقتصادية تضاهي العائد والمردود التجاري إذا أُحسن استغلاله، وأعتقد أن السلطنة تمتلك مقومات النجاح البشري إذ تزخر بالمواهب الفنية والإدارية والتدريبية في شتى الألعاب والرياضات. وقد حان وقت الاهتمام بذلك الملف. فالرياضة يجب أن تكون مصدرًا لرفد الموازنة العامة أو تغطي عوائدها بنود نفقاتها على أقل تقدير.

ويري العامري أنَّ إدارة الأموال أمر محوري لتحقيق النجاح؛ فالمال موجود، ويتعين علينا تطوير سبل إدارته بآليات مختلفة ذات بعد احترافي يتفق مع التجارب الناجحة لمؤسسات رياضية تعمل في واقع يشبه واقعنا الرياضي. مؤكدًا أنَّ الأندية لم تستفد الاستفادة المرجوة من الأراضي التي منحتها الحكومة لها في منطقة غلا بغرض الاستثمار، قائلا إن السبب يعود للموقع غير الجاذب للمستثمرين على حد وصفه، مشيرا في السياق نفسه إلى أنَّ نجاح الاسثمار يبقى مرهونا بإيمان المؤسسة بجدواه، وبجدية المستثمر وخبرته والإجراءت القانونية التي يجب أن تسير بسهولة ويسر؛ لتسهيل إتمام العملية وجذب المزيد من المستثمرين.

أما المدرب الوطني محمد البلوشي، فيرى أنَّ هناك فارقًا بين الاستثمار الرياضي والاستثمار التجاري؛ فالأول معنيٌّ باستثمار اللاعبين أو تطوير المدربين والإداريين فنيا وهذا استثمار بشرى. أما الثاني، فمعنيٌّ بالعوائد المالية من المشروعات التجارية التي يقيمها النادي على أرضه بالتعاون مع مستثمر يسعى للربح. وأوضح: لم نحقق النجاح على المستويين التجاري والرياضي، ولم نخطُ بعد الخطوة الأولى. لا يُوجد ناد في السلطنة مهتم ببناء لاعب واستثمار موهبته؛ فهذه الثقافة يجب تبنيها فعوائدها سخية وذات فائدة مستدامة شريطة الاهتمام بها بشكل مستمر متلاحق.. وتابع: "لابد أن تصنع أنديتنا السمعة الرياضة تمهيدا لاستثمار اسمها بعائد مادي، فكلما لمع اسم النادي ارتفع معه حجم الرعاية". مختتماً بالقول: الجميع يتحدث عن الاستثمار، يحكي عن قيمته وأهميته، ولكن الحديث لم يتحول لعمل واقعي؛ فما زالت علاقتنا بالملف مجرد كلام إنشائي، والموازنة والإنفاق لا يعتمدان على عدد الكلمات، وإنما على الأرقام المحددة.

تعليق عبر الفيس بوك