ما بعد رسالة صندوق النقد الدولي

 

خلفان الطوقي

نهاية الأسبوع الماضي، انتشر خبر صحفي في مجلة "فوربس" العالمية، تناول رسالة وجَّهها صندوق النقد الدولي إلى الحكومة العُمانية، يُطالبها بإصلاحات اقتصادية هيكلية إضافية، وما إن وصل هذا الموضوع إلى وسائل التواصل الاجتماعي إلا وانتشر بشكل سريع، فلم تجد منصة إلكترونية إلا وتصدَّرها هذا الخبر عن باقي منشوراتها، ليس هذا فقط بل الكثير من عرض الحلول العملية أو العاطفية، وهناك من نشر الشائعات والمغالطات عن الخبر، والبعض بحث وبعث مقالات ومقابلات صحفية أو تليفزيونية سابقة عن شخصيات سياسية أو اقتصادية هاجمتْ الصندوق أو البنك الدولي، تحسُّبا لما قد يقع علينا كمواطنين جراء انصياع الحكومة لتعليمات ونصائح الصندوق الدولي.

الأمر الجيد في الموضوع أن خبر صندوق النقد الدولي انتشر وسعر برميل نفط عمان يقترب من 70 دولارا، فلكم أن تتصوروا وتتخيلوا إنْ انتشرَ الخبر وسعر البرميل أقل من 30 دولارا؟! هناك ستكون البلبلة الحقيقية التي تدعو للهلع والخوف. أما على هذا السعر، فالوضع نوعا ما مريح، ولا داعي لإعطاء الموضوع أكثر من حقه، لكن لا يعني ذلك أن لا نعمل ليل نهار لتصحيح أوضاعنا الاقتصادية، والتي سوف تصلح باقي الأوضاع، وسوف أفسِّر هذه الجملة في الفقرة التالية.

لا داعي للقلق والتهويل الذي يدعو للإحباط والاستسلام لعدة أسباب؛ أهمها: أن السلطنة -حسب علمي- لم تطلب قرضا بعد من الصندوق رغم عضويتها بالصندوق مع معظم الدول التي يصل عددها إلى 188 دولة كأعضاء، وبما أن السلطنة لم تطلب القرض فقررات الصندوق أو نصائحه غير مُلزمة التطبيق على أرض الواقع، وتبقى نصائحه مهمة جدا واحترازية، وواجب على الحكومات أخذها محمل الجد؛ وذلك لأن معظم المستثمرين الخارجين يعتمدون على مثل هذه التقارير، ومعظم الدائنين من الصناديق والبنوك التابعة للأمم المتحدة أو البنوك أو الصناديق المستقلة الخاصة تعتمد على تقارير الصندوق التي تصدرها، فلا ضَيْر لعُمان عندما تأخذ الوصفة المالية، وتستعين بأجزاء منها في وقت مبكر، فبحُكم عضوية السلطنة بهذا الصندوق، من الجيد الاستفادة من خبراته؛ باعتباره أعلى بيت خبرة في مجال السياسات النقدية، رغم محاولة البعض تشويه أهداف وغايات الصندوق، بقصد مصالح معينة أو بسبب عدم معرفة كافية بالصندوق.

وكأحد المتابعين للوضع الاقتصادي في السلطنة، لم أستغرب صدور هذا التقرير؛ وذلك لعلمي التام بأن معظم الجهات الحكومية المعنية كمجلس الوزراء ومجلس الطاقة والموارد المالية والبنك المركزي العماني ووزارة المالية والمجلس الأعلى للتخطيط واللجان الاقتصادية في مجلسي الدولة والشورى، على عِلم بما طالب به الصندوق منذ أكثر من عامين، والبيانات المالية التي صدرت في عامي 2016 و2017 هي جزء من هذه الإصلاحات الاقتصادية، وبالرغم من وجود إيجابيات في التقرير، إلا أن الصندوق يُطالب بمزيد من الإصلاحات الاقتصادية التي قد تُقبل أو تُرفض من الحكومة كاملةً أو أجزاء منها.

وخلاصة القول.. إن على الحكومة أن لا تغفل التقارير الدولية وخاصة التابعة للأمم المتحدة أو المؤسسات العالمية التي تحمل مصداقيةً، ولكن تبقى الحلول هي بأيدينا وليس بيد الصندوق أو البنك الدولي، الحلول بأيدينا بشرط أن نُحسن إدارة مواردنا المالية من خلال نظام حوكمة حكومي صارم نظريا وعمليا في الشدة والرخاء، وتفعيل أجهزة الرقابة المالية والإدارية، وإعطائها المساحة الكافية للعمل بشكل مستقل، والإيمان بالعمل المؤسسي دون تدخل أمزجة شخصية، وأهم من هذا وذاك الاستعانة بالكفاءات الإدارية والاقتصادية واحترام وجهات نظرها التي يمكنها تحويل المشهد الاقتصادي من وضعه الانكماشي إلى وضعية النمو المستدام، الذي لن يتأتى إلا من خلال منظومة تشريعية حديثة تجعل من السلطنة محافظة على المستثمرين الحاليين وجاذبة للاستثمار الخارجي؛ تحقيقا للتنويع الاقتصادي الذي يقلل من الاعتماد شبه الكلي على النفظ والصناعات المعتمدة عليه.