نعيش لحظة تاريخية للرداءة


عبد الجواد خفاجي – ناقد وروائي مصريّ


ليس مهما أن أنحني لأم كلثوم إعجابا لأن العالم فعل هذا، وليس من المهم أن أنحني إعجابا بنجيب محفوظ لأن العالم فعل ذلك.. المهم أن أكون صادقا مع نفسي وأنا أفعل ذلك. فكيف أصفق لامرأة تُدخلني إلى حيز اللاقيمة، وهي تمسك منديلا طويلا يتدلى من بين أصابعها في مواقف متناقضة بين الحب والكره، وبين الحماسة والفتور، وبين الوصل والهجر؟.. ألا يفقد المنديل قيمته، وقد دخل بنا في حيز اللاقيمة؟ وكيف أعجب برجل يُدخلني معه إلى مساحة من الوجدان المبتور؟
 لقد عاش نجيب محفوظ فترة عبد الناصر ولم يكتب حرفا عنها إلا بعد موت عبد الناصر! فكيف أعجب بكاتب عربي عاش الصراع العربي الإسرائيلي منذ بدايته، ومات ولم يكتب حرفا ضد إسرائيل؟
المشاعر التي تسير في ركاب مشاعر الآخرين ليست حقيقية، والمشاعر الصادقة ليست هي من صدَّقت مشاعر الآخرين. ما لم يسبقها تفكير عميق، وحيثيات تؤكد ما ذهبتْ إليه مشاعري.
إن اندفاعا إلى الأمام استجابة لمشاعر غير عاقلة قد يورثنا الندم أو الأسف طوال العمر، وقليلون من يضعون عقولهم قبل مشاعرهم. قد نعرف الواحد منهم ونحن نسأله: لماذ أنت مبتهج لكذا، أو رافض لكذا؟، فيجيبك بإجابة هي في الحقيقة إجابة الآخرين.  قد تكون ثمة صياغات مشتركة يوقّع عليها الجميع بالموافقة، ولكنهم مختلفون من حيث الدرجة.
إن موضوع "الدرجة" موضوع مهم، فليس كل الناس يوافقون بدرجة واحدة، وليس كل الناس يرفضون بدرجة واحدة، ولذلك أقترح على الديمقراطيين في هذا العالم تغيير صيغة أوراق الانتخابات، لتتضمن أربعة خيارات هي: [موافق] ـ [موافق جدا] ـ [أرفض] ـ [أرفض بشدة].
كنت جالسا في أمسية أدبية بنادي القصة بالقاهرة، والحضور جميعا أصدقاء بعضهم، وأنا واحد منهم.. طلع أحدنا إلى المنصة وسط ثلاثة من النقاد الكبار، وعندما بدأ صاحبنا في إلقاء قصته على مسامعنا، كان الحضور لسبب أو لآخر يصفقون، وفجأة لكزني أحدهم في جنبي الشمال، فالتفت إليه، فقال لي: ألا تصفق؟ .. قلت له: ولماذا أصفق؟ ؛ فرد: إنه صاحبنا، فقلت له: لكن نصّه ردئ.. كيف أصفق للرداءة؟.. وكانت الكلمة للنقاد الثلاثة الذين أكدوا بآخرة من الجلسة أن نص صاحبنا ردئ.
أستشعر أننا نعيش لحظة تاريخية للرداءة، ومع ذلك يصفق الكثيرون.. ليس لأنهم معجبون حقيقة بشيء ما، بل لأنهم حقيقة لا يفرقون بين الرداءة والجمال، أو ربما لأن الآخرين من حولهم يصفقون.
ربما لو أُتيح لي الجلوس أمام رئيس جمهوريتنا أربع سنينه كاملة، وأربع أخرى تالية، مستمعاً لما يقول، لن أصفق مرة واحدة، قد يسألني سائل: لماذا لا تصفق؟ وستكون صيغة إجابتي هي السؤال الوحيد: لماذا يضحك الرئيس؟
هو سؤال ليس بحاجة إلى إجابة لأنه يهدف إلى توصيل معنى الغرابة في وقت نبحث فيه عن اليقين وعن المصير، وعن إجابات عن أسئلة مُلحة، يأتي في مقدمتها: هل في الواقع ما يثير الضحك حقا، أم إنه التخييل السياسي؟.
هل هي ضحكة قادرة بالفعل على انتشالنا من الواقع المُبْكي إلى مساحة من الفنتازيا؟. أم إنها تأتي في سياق اللامعنى؟

 

تعليق عبر الفيس بوك