المغـرب العربيّ في خطر


إدريس حنبالي - المغرب


شبح حرب حقيقية يلوح في منطقة المغرب العربي طرفاها المغرب والجزائر . فهناك أسباب معروفة لاستمرار النزاع وأسباب تتجدد بحسب التطورات المتسارعة التي تعرفها الساحة العربية و الدولية.
يسدل الستار على أحداث ما يسمى الربيع العربي في المنطقة العربية  أوعلى الأقل الأشواط الكبري لهذا الربيع؛ ذلك أن العواقب كانت وخيمة على مستوى البنيات الاقتصادية و السياسية والاجتماعية وهذا ما سيهدّد باندلاع انتفاضات شعبية أخرى شعارها العدالة الاجتماعية  والتوزيع العادل للثورات.. فاقتصادات الدول العربية تسجل انتكاسات متواصلة جراء غياب الأجواء "الصحية" التي تتطلبها الأنشطة الاستثمارية و تردّي أوضاع حقوق الإنسان لسبب تخبط الأنظمة العربية و لجوئها لسياسة أمنية أكثر صرامة تجاه الاحتجاجات السلمية للفئات الاجتماعية الهشة إضافة للطبقة المتوسطة أكبر متضرر في العقد الأخير من هذا القرن.
وكامتداد لأحداث "الربيع" نأتي الآن لموضوع الحرب الباردة العائدة بقوة إلى الساحة الدولية؛ فكل التجادبات الحاصلة بين القوى الكبرى الفاعلة تؤكد أن بعض هذه الدول العظمى قد ركبت الربيع وقامت بتوجيهه حسب أهواء مصالحها الحيوية إن لم تكن قد أعدّت عدتها لمختلف الاحتمالات قبل اندلاع الربيع بفترة، وهذا أقصى ما يمكن أن يتوصل إليه أي محلل سياسي متفائل.. فرنسا القوة التقليدية والأم التي أنجبت الاتحاد الأروبي أكدت على لسان وزير خارجيتها الأسبق "رولاند دوما" أن مسؤولين بريطانيين صرّحوا له أن هناك شيء ما يتم إعداده للمنطقة ولسوريا على وجه الخصوص وسألوه إذا ما كانت فرنسا مستعدة للمشاركة.
من جانب آخر وهو حجر الزاوية بعد كل هذه التطورات؛ فالولايات المتحدة المنهكة في الشرق الأقصى بفعل تعاظم قوة قوة شعوب الجنس الأصفر، والمهانة التي تجرعتها في منطقة المشرق العربي والإسلامي بعد عودة الاتحاد السوفياتي بقوة إلى الساحة تحت مسمى الفدرالية الروسية هذه المرة. طبعا فالعلاقات الروسية الجزائرية علاقات تكاد تكون تقليدية وإن كان الجزائر ظلت في العقود الأخيرة تلعب على الحبلين بِدِرْبة و إتقان عبر توقيع اتفاقيات اقتصادية و حتى أمنية سواء تعلق الأمر بالعلاقات الثنائية أو باعتبار الجزائر دولة صديقة حليفة للقوى الأطلسية وإن كانت ليست عضوا في الحلف. والمغرب كشقيق لها- له نفس الامتياز- "خصم وتهديد استراتيجي للجزائر" ما ظل يروج لعقود وأصبح الآن حديثا مستهلكا عفا عليه الزمن بعد موت الإديولوجيا منذ انهيار جدار برلين و انهيار الاتحاد السوفياتي- المغرب الذي طالما اعتبر حليفا قويا للولايات المتحدة و المعسكر الغربي برغم عضويته في منظمة دول عدم الانحياز أدرك في السنوات الأخيرة جدوى سلوك الجزائر الدبلوماسي و السياسي في السنوات الأخيرة سارع لتبني نفس النهج فعمل على تنويع شركائه الاقتصاديين وخاصة روسيا و الصين العائدتان بقوة إلى الساحة الدولية وتصديهما للقوى الغربية و على رأسها الولايات المتحدة الطامحة لاستثمار وتوجيه رياح الربيع قصد الهيمنة على مقدرات وخيرات المنطقة الهائلة والسيطرة على المعابر و المنافذ البحرية و البرية الإستراتيجية التي تتكشف للرأي العام يوما بعد يوم؛ عمل على توثيق علاقاته معها وهو ما تم بالفعل بعد الزيارتين التاريخيتين التي قام بهما ملك المغرب إلى الصين وروسيا؛ وهما الزيارتان المتوجتان بتوقيع عشرات الاتفاقيات وقد شملت مختلف المجالات وخاصة الاتفاقيات الاقتصادية؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد بلغ حجم صادرات المغرب من الأسماك للأسواق الروسية حوالي 140000 طن.
الأوضاع الاقتصادية المأزومة إلى حد ما التي تعيشها الجزائر و المغرب بمستوى أدنى والتوترات الاجتماعية التي أصبحت تفرض نفسها على الطرفين تساهم بدورها بطريقة غير مباشرة في تسخين الأوضاع في الصحراء المغربية وإن حاولت الجزائر الظهور بمظهر الشقيق و الجار المحايد. إلا أن موقف المغرب الذي أعاد تقييم مواقفه من التطورات الجارية في دول الربيع خصوصا في ليبيا وسوريا قد توصل إلى أن التهديد أصبح وجوديا للأمة العربية وهو ما لمسه المتتبعون في خطاب كان قد ألقاه الملك محمد السادس لدى حضوره أشغال القمة المغربية الخارجية؛ الخطاب الذي ربما كان إعلانا غير رسمي من جانب المملكة المغربية عن نفض يدها من مشاريع التدمير المُمَنهج الذي أدى إلى تدمير دول عربية كبرى مؤثرة في المنطقة ويهدد بتدمير دول عربية أخرى؛ هذا الرأي وهذ الموقف يزكيه المغرب مرة أخرى عندما تغيب محمد السادس عن أشغال القمة الإسلامية الأمريكية في الرياض و كانت المشاركة مقتصرة على حضور وزير خارجية المملكة ناصر بوريطة؛ وهنا خصوصا جن جنون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنتشي بغزوته السياسية و الاقتصادية بالرياض وقد ظهر بمظهر لورنس العرب الجديد..كل المناوشات و القرارات التي همت قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية ورغبته في تأديب الأوروبيين وإرغامهم على خوض مغامراته الحمقاء في المنطقة و العالم باعتبار المغرب دولة جارة للاتحاد الأوروبي ولا يفصلها عنه سوى 12 كلم وخشية الاتحاد من أن الحرب المقبلة لا قدر الله ستكون مدمرة و ستوفر بيئة مواتية لتمدد الخطر الإرهابي إلى أوروبا؛  تؤكد أن الولايات المتحدة ومن معها تعمل على تأديب المغرب وإعادته لبيت الطاعة مجددا؛ والهدف الأكبر بعثرة أوراق اللعبة من جديد في وجه الإمبراطورية الروسية والصينية التي أخذت بزمام شؤون الشرق و تعمل الآن على توطيد وجودها في بلاد المغرب.

 

تعليق عبر الفيس بوك