أفلاجنا حضارة.. فلنحافظ عليها

 

حمود الحاتمي

تُعد الأفلاج العمانية شاهدًا على حضارة الإنسان العُماني؛ حيث تعتبر جزءا أصيلا من نسيج الحياة الاجتماعية للمجتمع العُماني منذ القدم؛ فهي مورد الماء الذي قامت عليه الحياة والحضارة، وكانت حياة الإنسان العماني ولا تزال مُرتبطة بهذا النظام؛ لذلك فإنَّ تاريخ الأفلاج في عُمان من حيث إنشائها والأحداث التي مرت بها هو جزء حيوي من التاريخ العماني؛ فإنشاء القرى والمدن على امتداد عمان وعلى مر تاريخها كان يبدأ ببداية حفر الفلج وجريانه على سطح الأرض، والفلج: هو قناة محفورة في باطن الأرض أو على سطحها سواء كانت مغطاة أو مكشوفة، لتجميع المياه الجوفية أو مياه العيون والينابيع الطبيعية أو المياه السطحية، أو اعتراض وتجميع مياه السيول؛ بحيث يتم انتقال المياه المتجمعة من مواردها في قناة الفلج طبيعيا بواسطة قوة الجاذبية الأرضية فقط في اتجاه الشريعة دون استعمال الآلات لرفعها.

أما نظام الفلج، فهو عبارة عن نظام متكامل للفلج يتكون من الفلج ومنطقة الاحتياج، وقد يتكون نظام الفلج من فلج واحد ومنطقة احتياج واحدة وقد يحوي نظام الفلج أيضا أكثر من فلج وأكثر من منطقة احتياج ترتبط فيما بينها بطريقة معينه لتوزيع المياه.

وتظهر براعة الانسان العماني في هندسة تخطيط الفلك وحسن توزيعه؛ حيث يتم تقسيم هذه المياه بين الذين شاركوا في عملية الحفر؛ وذلك على أساس وحدة زمنية متعارف عليها وهي البادة أو الأثر، وكانت مدة الأثر تُحدَّد في النهار بواسطة الظل، وبالليل بواسطة حركة النجوم في الفضاء؛ حيث لم يكن هناك ساعة في ذلك الوقت، وهذا الأمر يدل على إلمام الأجداد بعلم الفلك.

ومع تطور الحياة الاجتماعية في عمان من خلال بناء المساكن في المخططات خارج المدن، إلا أن الفلج قائم بدوره في ري المزارع، بل أصبح مزارا سياحياً لزوار الولاية كما هي الحال في فلج دارس بنزوى، وفلج الصايغي والكسفة والميسر بالرستاق...وغيرها من الأفلاج المشهورة، التي تم تسجيلها في قائمة التراث العالمي.

إنَّ الأفلاج تشكل موردا مهما من موارد المياه بالسلطنة، والتي تعتمد عليها الأراضي الزراعية بنسبة تتراوح بين 50-60% من إجمالي الموارد المائية المتوفرة، كما أنها مصدر مهم من مصادر المياه التي تعتمد عليها بعض المجتمعات العمانية اعتمادا كليا في سد احتياجاتها المائية لجميع الأغراض الزراعية وسقي الحيوانات والاستخدامات المنزلية الأخرى. وتتعرض الأفلاج بين فترة وأخرى للانهيارات في مجاريها بسبب قدم تلك المجاري أو نتيجة لتعرضها للعوامل الطبيعية المختلفة، وقد أولت الحكومة الرشيدة -ممثلة في وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه- اهتماما خاصا لمساعدة الأهالي في صيانة الأفلاج وفقا لأولويات ومعايير وضعت ليراعى فيها أهمية الأفلاج ومدى تضررها وحسب الإمكانيات المتوفرة، كما قامت الوزارة بحفر عدد من الآبار المساعدة للأفلاج التي تعاني من نقص في مواردها المائية، وتأتي هذه الجهود بهدف رفع كفاءة نظام الأفلاج كأحد أنظمة الري الرئيسية المستخدمة في السلطنة.

إلا أنه وفي الوقت الحالي، تراجع الاهتمام بصيانة الأفلاج؛ حيث أفاد الأهالي بتقديم طلبات صيانة لأفلاجهم ويتم الرد بالاعتذار؛ مما ينذر يتدهور هذه الموارد المائية التي ظلت شاهدة على عراقة الإنسان العماني، وها هو فلج أبو ثعلب بولاية الرستاق يُعاني من الاندثار كما يفيد أحد وكلاء الفلج وهو المواطن خميس الهنائي، وهناك أفلاج أخرى في القرى النائية والجبال بحاجة لصيانة.

إنَّ أفلاجنا اليوم بحاجة لتخطيط إستراتيجي يساعدها على الاستدامة؛ ومنها: تفعيل نظام الوقف العام لهذه الأفلاج، وتقليل الاعتماد على الحكومة؛ حيث تدير هذه الأفلاج هيئة مستقلة وشراكة حقيقية بين المواطنين والحكومة، ولعلنا نستلهم هنا من فكرة الشيخ العلامة عبدالله بن محمد بن رزيق المشهور بأبي زيد الريامي، حينما وُلي والياً على بهلا زمن الإمام سالم بن راشد الخروصي، وعمل على صيانة أفلاجها من خيرات بهلا يعني بالإدارة الذاتية.

ما أحوجنا اليوم لإنشاء صندوق يُعنى بصيانة الأفلاج؛ كونها موردًا مهمًّا من مواردنا المائية، ويشارك فيه الملاك والحكومة بنسب متفاوتة، فلا شك أننا نحتاج إعادة تفكير في إدارة الأفلاج بطريقة فيها استدامة للفلج واستشعار للمسؤولية الاجتماعية للمواطن ومحافظته على أرضه.. فالأفلاج قصة تسردها الأجيال جيلا بعد جيلا، وتتسلمها الأجيال القادمة بمسؤولية المحافظة عليها.

 

alhatmihumood72@gmail.com