الخليج الأبيض في زمن الأزمات

 

مسعود الحمداني

(1)

هل سمعتم عن الزمن الأسود، والزمن الأبيض، والزمن الورديّ؟!..

هو زمن واحد ألبسه الناس حلّة ملوّنة، وأخذوا في كيل المدح أو الذم له، فإن جاء على هواهم (بيضّوه)، وإن جاء على غير ذلك (سوّدوه)، وإن انتظروا فرحا قادما جعلوا لونه ورديّا.. ولعل الزمن العربيّ الحالي هو أسود من السواد، وأشد حلكة من قطع الليل البهيم، وننتظر زمنا آخر لا لون له، ولكن رائحته تهب على أنوفنا منذ الآن..

فمن كان عدوا أبديا، أصبح صديقا، وقريبا، وحبيبا، ومن هو مختلف معنا فكريا ومذهبيا ـ حتى وإن كان على ديننا ـ أضحى عدوا حقودا نتربص به ريب المنون، فتغيّرت الأحوال والولاءات والانتماءات، وما كنا ندرسه في كتب القومية العربية صار من الماضي، وتغيّرت مفاهيمه، واختلفت تأويلاته، ولن نستغرب بعد أيام أو أسابيع أن نشاهد "العدو الصهيوني" يتبختر في أسواقنا، ويزور أراضينا المقدسة، ويعمل خبيرا استراتيجيا، أو مستشارا دينيا في إحدى مؤسساتنا العربية، ولن نعجب إن رأينا القرآن الكريم وقد نُزعت بعض أوراقه، أو طُمست بعض آياته لأنّها تمس اليهود، وتشجع على الكراهية الدينية، وتحث على العنف، وتعادي السامية.. لن نستغرب كل ذلك لأن عملية التدجين العربية تسير على النحو الأمثل، وتعيد ترتيب أوراق البيت الشرق أوسطيّ، وتشكّل خريطة جديدة، تمحو من تضاريسها دولة فلسطين، وإنْ وُجدت على استحياء فإن إسرائيل ستكون جارتها الأبدية على الخارطة العربية الجديدة، وسيكتبها واضعو المناهج بخط من ذهب، وأمامها ابتسامة عريضة فرحةً بالضيف الجديد/ القديم.

(2)

"القضية الفلسطينية ليست قضيتنا" أصبح يقولها علانية بعض المسؤولين والمثقفين والإعلاميين الخليجيين، والعرب على حد سواء، هذه القضية التي ذهب لأجلها الآف الشهداء، وصرفت الأنظمة العربية عليها مليارات الدولارات، وأهدرت لأجلها الطاقات والجهود والعقول، أصبحت بين ليلة وضحاها ليست قضية العرب!!.. باعوها في سوق النخاسة فجأة، وهتكوا عرضها، وحاولوا تركيع شعبها، وتجويعه، بل وحصاره، وترهيبه بالعصا، وترغيبه بالجزرة، وحين قنطوا من استرجاع ترابه، عفروا عليه التراب، وتركوه يواجه مصيره، فلا عينا بكت، ولا قلبا خشع، ولا صرخة سُمعت.. وراحت فلسطين والقدس، وبقيت إسرائيل متربعة على عرش السيادة، وقلب العروبة.. وبقي الخلاف الفلسطيني الفلسطيني يسأل: أيهما أولا البيضة أم الدجاجة؟ !!

فأي زمن أسود من هذا؟!!

(3)

الخليجيون أسياد المال، وأباطرة النفط، لم يستطيعوا خلال هذه السنوات النفطية من التقدم شبرا واحدا في نظر العالم، وظلت الدول الأخرى ـ العربية والغربية ـ على حد سواء تنظر إليهم من منظار النفط، لا حضارة لهم، ولا مستقبل بدون حماية الغرب، واخترعوا لهم الأعداء، وحددوا لهم الأصدقاء، ونهبوا ثرواتهم، ومعها ابتسامة صفراء، وأحيانا ازدراء لا حدود له، لأنّ الغرب والأمريكان واثقون أنّه لا حياة لهذه الدول دون حمايتهم، وأن كثيرا من مسؤوليهم الكبار لا ينظرون لمصلحة أوطانهم، بقدر نظرتهم لمصالحهم، والخوف عليها من أي خطر قد يهددها.. المشكلة أنّ البعض يتوهم أنّ ما يفعله بطولة.. والمشكلة الأعظم أنّ الشعوب التي لا يهمها سوى قوت بطنها لا صوت لها، ولا صدى.

لقد سلّم الخليجيون أعناقهم وأرزاقهم كاملة إلى عدوهم برضاهم أحيانا، ورغم أنوفهم أحيانا، ولعل الغرب الذي كان يتحدث ذات يوم عن "تجفيف منابع الإرهاب"، كان يضع في ذهنه هذه البقعة النفطية من العالم، وتجفيف ضرعها حتى لا يقوم لها قائمة، ويكون الأمر بيد إسرائيل، وأمريكا على حد سواء.. وقد كان لهم ما أرادوا بأيدي الخليجيين أنفسهم لا بيد عمرو.

فأي لون حالكٍ يستحقه هذا الزمن العربيّ؟!!

"اخترعوا لونا كونيا غير موجود في عالم الألوان ولوّنوا زمنكم بما شئتم منها"!

Samawat2004@live.com