ليست حـزينة إلى هذا الحـدّ


إيمان زيّــاد – فلسطيـن


مثل قطة فقدت حاجتها للمواء،
أو أشبه ما أكون لقرني غزال كُسرا في عراك طاحن، وتركتا بطنه هدفاً سهلاً لقرنين صامدين لينغرسا فيها،
أو قد أكون أقرب إلى جلد حيوان اعتنى بها الدبّاغ ليصير مداساً أبدياً، أو مسبحة وحيدة في بيت عزاء كبير، خلّصت آخر تمتمة عليها.. فمن يلمّني؟
لا لست حزينة إلى هذا الحدّ، أنا فقط غارقة في عتمة حزن لا قاع لها، والغريق لا يأبه للمسافة التي تفصله عن القاع ولا المسافة التي تفصله عن السطح..
لم أملك يوما ما مجدافاً حقيقيا  ولا أعلم لماذا بقيت أعوّل عليه كي  ينجو قاربي وهو القارب الذي من ورق.. القارب الذي طواه القدر وسلمني إياه لحظة نجاتي من الغرق الأول.. مع صرخة مكتومة لرحم أمي..
ههنا يتثاقل الهواء داخل ممر العتمة حتى يصير غيمة في فمي، أدعها تمطر في حلقي بغزارة لكن الغيمة التي تأتي وليدة حزن لا تحمل إلا مطرا أسود كعتمة.. مطر يشطر ذاتي إلى اللاشيء..
لماذا يقشعر بدني حين يحرّك رأسي عجلة التفكير، ألم يفني الغرق الأبدي في عتمة حزن هذه العجلة؟ صورة واحدة، مشهد متعدد، رائحة صاخبة..وأنت.. عساكر تثبتني..في مكاني.. أمتلىء بك فيضاً..
كيف أشمّ البخور الذي يخرج من جلده وأنا الغارقة في الحزن والعتمة..
تباً كم كنت ساذجة، ماذا يفيد الندم؟ أنا المعطوبة عينيّ رغم اتساعهما وانعكاس الماء فيهما ورغم توقد الذكاء الذي لم املك ذكاء استغلاله، بقيت تائهة أتحسس طريقي إليك جلّ حياتي حتى أقحم القدر أنفه ودفعني إليك متأخرة،
أتعلم كيف يكون طعم الأماني المتأخرة؟
تماماً مثل الغرق بحزن أبدي
أنا المبتورة الذراعين لا أقوى على احتضانك
أنا المهشّمة  لا أقدر على مجاراة ابتسامة قلبي التي تلحق بك من صدقة إلى صدفة..
أنا المنتهية الصلاحية في كل شيء..ماذا ستسعف بهذه الجثة ..أستعيد خلقي ثانية..
وهكذا فعلت..
دون أن تدرك ذلك..
وهكذا تفعل حين يظل صوتك المشروخ بالشوق يتتبع أثر عتمتي ليضيء الكون في عينين تتشافى حين تلمح ظلك..

أترى القدر المتحاذق يضحك علينا..ونضحك عليه..
لا لست حزينة إلى هذا الحدّ، وليس مما كتبته تحت بند الحزن.. أنا حين يتسامى الحنين داخلي أمدّ فقط خطين من ملح..من عينين معطوبتين..والملح ابن الحزن..  والماء الصافي يمسح منهما الملح والسؤال.. وهذا خارج عن ارادتي..لكنه ليس خارجا عن حاجتي..
أفكر أن أعيد التقويم إلى زمن ما قبل الفراق القدري ..قبل أن نصاب بالهنا والهناك،  لا أعلم كيف ستتغير الأمور، لكنها حتماً ما كنا سنتمناه..
لست حزينة بالمطلق، فقد اعتدت تربية الحزن ليصبح أربع قطط شرسة، تنظر إلى الجثة هذه ..تنتظر يد نبي ..يعيد الروح فيها من جديد، ويحيل قططي إلى أربعة مواعيد قريبة أكيدة..

وماذا تسمين هذا، بماذا كتبت ما كتبت؟
غيابك.. دواتي
أحبك من قبل ومن بعد..

 

تعليق عبر الفيس بوك