الرياضة تجمع لا تفرق

المعتصم البوسعيدي

لا شك أنّ المتابع للواقع العربي من الخليج للمحيط يُدرك تمامًا الوضع المُحزن الذي يعيشه هذا الواقع في ظل الانقسام والانشقاق، بل والاحتراب المُدمر لكل وجوه الحياة، كما أنّه يعي مقدار اللون الأسود الذي يزداد يومًا بعد يوم على صورة الخارطة العربية، وذاك الانشغال في توسيعِ رقعة الخِلاف بمحاولة فرض منطق أُحادي دون الذهاب إلى الإصلاحِ المبني على قواعدٍ واضحةِ المعالم، تُغلفها قيم العدل والرحمة، وتفرضها حقوق الأخوة والجوار، وتحققها محبة الله للمقسطين.

وحتى لا أتوسع ويخرج "الحبل عن غاربه" نرى ثمة ضوء يسطع في تِلكُم العتمة الحالكة، ضوء يأتي من ملاعبٍ خضراء بأوطان تائهة، ولعلَّ أسبوعي "الفيفا" كشفَ لنا ما يمكن أن تصنعه كرة القدم في شعوبٍ أُرهقت بتوالي النكبات!!، والأمر لا يعني ـ فقط ـ أسبوعي "الفيفا" على أي حال؛ حيثُ سبق أن فرحنا بتأهل المنتخبات العربية لمونديال روسيا القادم، وسُعدنا بمنتخب سوري أعطى الشأم بسمة هاربة من سطر حاضر حزين، وبالأمس القريب تأكد وجود عرب آسيا جميعًا في الإمارات العربية المتحدة؛ حين تقام على أرضِها ـ بإذن الله ـ بطولة أمم آسيا لكرة القدم عام 2019م

إن العرب السعيد في كرة القدم ظهرَ ـ للأسف ـ في زمن "أغبر"، يجعل من السعادة ـ ربما ـ "سحابة صيف" لا تروي القلوب المُجدبة؛ نظير الواقع الحياتي من جهة، ومحاولة إقحام هذا الواقع في العرب السعيد ـ أي في كرة القدم ـ من جهة أخرى، وباستخدام حتى الطرق غير القانونية، لكن الشعوب تحمل في دواخلها فطرة الخير والمحبة مهما كانت الأوضاع، شاهدنا التقدير الكبير لمحمد أبو تريكة بعد إعلان براءته، هذا الإنسان الذي لم يشك فيه حتى "معارضي" توجهاته بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، كما أطلعنا على تعاطف الجميع وتوحدهم مع دموع اللاعب السعودي الخلوق محمد الشلهوب، وأفتخر كلنا بالنجم محمد صلاح وما يقدمه هذا الموسم ـ على وجه الخصوص ـ في الدوري الإنجليزي، كما هو حال فخر العرب قبل موسمين مع الجزائري الرائع رياض محرز، واليوم تهادى الفرح بتأهل تاريخي لمنتخب اليمن "الحزين" لأمم آسيا، قابله سرور مُبهج بما يقدمه منتخب الفدائيين الفلسطيني، وارتفاع شعار "القدس عربية" في كل الأفئدة العربية قبل مدرجات ملاعبها، ولا ننسى عودة الحياة للملاعب العراقية، وتجاوز لبنان كل ظروفه ومحنه السياسية.

في ظل ذلك، نطرح تساؤل عمّا لنا وما علينا؟! الأمر سهل صعب!!، لكنه على العموم يتطلب منا أن نستثمر السعادة التي ترسمها كرة القدم العربية، نحتاج حقًا ألا "نُدنسها" بما يحدث خارج إطارها، علينا أن نجعلها أحد خطوط الرجعة لزمنٍ "أخضر" سيأتي لا محالة، لكنه يحتاج لمسببات وأيادٍ غير مكتوفة، الآن وقبل أي وقت مضى على الحكومات العربية عدم "أدلجة" الرياضة، بل اليقين بها وبقدرتها على لملمةِ الشتات، كما عليها إدراك أنها مصدر اقتصادي مهم في سياق آخر عن الموضوع، وحتى نصل إلى تلك الأمنيات، دعونا نؤمن بالعرب السعيد هذا، ونترقبُ اتساع رقعته، ونصره على كل السواد الذي احتلنا برغبة منا قبل رغبة الآخرين.