عمان دولة الحياة

 

محمد بن عيسى البلوشي

 

لم أستغرب خبرا نقله لي أحد الأصدقاء بأنّ مجموعة من موظفي جهته الحكومية قد ربحوا قضيتهم ضد جهة عملهم، ففي عمان يتساوى الجميع أمام القضاء الذي لا يميز مسؤولا أمام مواطن، ولا غنيا أمام فقير، كل ما عليك فعله فقط بأن تقدم حجتك إمّا بطلب حق أو دفع مظلمة، فالنظام الأساسي هو من كفل ممارسة هذه الحرية التي تعني الحياة.

في عمان الكل مسؤول، مسؤول عن أسرته، مسؤول عن قريته، مسؤول في عمله، مسؤول عما ينطق به، مسؤول عن أفكاره، مسؤول عن مصالحة ومصالح وطنه، الكل مسؤول أمام نفسه ومجتمعة ووطنه، لأنّ العمانيين يرون بأن التعايش الذي جبلوا عليه منذ آلاف السنين من خلال تقبل كل ما يبني ويعزز هذا الفكر، هو ما جعلهم اليوم يعيشون في كنف السلام والمحبة كجسد واحد يشد بعضة البعض بالخير والبناء والتعمير والعطاء، ففي ذلك ديمومة لحياتهم.

إنّ ما أوجدته النهضة المباركة من حقوق للإنسان العماني، انسجم مع طبيعة التراث العماني ذات التنوع الحضاري والثراء الفكري والمعرفي، ليصبح مجتمعا ذا حصانة أخلاقية يشار إليه بين أقرانه وقوة معرفية بحقوقه وواجباته العلمية والعملية، وهذا ما أوجد بفضل الله وتوفيقه إنسانا متصالحا مع نفسه ومجتمعه، معطاءً لوطنه في جميع الظروف والأوقات، حريصا على مصالحه العليا ومدافعا بسلاح الأخلاق العالية والمعرفة الحقة عن ترابه الغالي.

إننا اليوم نحتاج إلى قراءة مضامين الخطابات السامية التي رسمت لعمان نهجها الحضاري منذ فجر النهضة المباركة وإلى يومنا الحاضر، ولكونكم عائدين إلى قراءتها أنصحكم بتمعن معانيها لأنّ في حروفها حكمة، وفي كلماتها منهج حياة، وفي أسطرها حقوق التعايش والإنسانية والسلام للبشرية جمعاء.

 إنّ مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- وهو يسطر منهج الحياة العصرية الكريمة للإنسان العماني ليعيش في كنف التطور الحقيقي والتفاعل مع طبيعته الثرية لم يغفل ولو للحظة واحدة الإشارة أو التصريح والتأكيد بأنّ على الإنسان أن يتفاعل إيجابا مع تطورات الحياة، وأن يأخذ المفيد له ولمجتمعه ووطنه، وبأن يترك كل ما لا ينفعه.

إننا اليوم نجدد هذه الدعوة لأبناء عمان من أجل حاضرها ومستقبلها، لأننا مؤمنون بأنّ الإنسان هو من يصنع أحداث الحياة ويعمل على تطور منهجها، وكل ذلك بمشيئة الله وتوفيقه الذي يعطينا دائما أجمل ما نتمنى بحقيقة العمل الجماعي المثمر لا حلم الأماني.