عيسى الرواحي
تحت هذا العنوان، سيكون إصدارنا الجديد في معرض مسقط الدولي للكتاب بمشيئة الله تعالى، وهو يبحث في حكم شرعي ثابت بالقرآن الكريم والسنة النبوية ألا وهو تعدد الزوجات، بيد أنَّ كثيرا من الأهواء تنازعته، وكثيرا من النفوس أنفته، ومن خلاله انكشفت أقنعة، وفُتنت أنفس وامتُحنت قلوب، وإذا كان هذا الحكم الشرعي من قبلُ فرصة لأعداء الإسلام للنيل من تعاليمه، فقد صار اليوم -وللأسف الشديد- واقعَ كثير من أبناء المسلمين وخاصة النساء.
الكتاب لا يأتي بدعوة جديدة إلى التعدد، فقد دعا إليه من قبلُ الكتاب العزيز لمن كان أهلًا، وإنما يبحث في مشروعيته وحُكمه الذي يتفاوت من شخص لآخر، وشروطه وحكمه، وأسس التعامل مع هذه القضية الشرعية. ويطرح بلغة سهلة واضحة صريحة جريئة واقع فئات المجتمع مع التعدد بعرض الحقائق المرّة، وردّات الفعل غير السوية؛ سواء من قِبل النساء اللاتي فجرن في الخصومة وبالغن في كفران العشير، أو من قِبل أشباه الرجال الذين لم يكونوا أهلًا لولوج باب التعدد، أو غيرها من فئات المجتمع، كما يبسط نماذج فريدة تستحق الإشادة والتقدير في عصر متلاطم بالفتن منفتحٍ إلى أبعد الحدود.
وإذ يعرض الكتاب هذه الموضوعات المتعلقة بتعدد الزوجات في الإسلام من رؤية شرعية مستندة إلى كتب المفسرين والعلماء وفتوى الراسخين في العلم والفقهاء من مختلف المذاهب الإسلامية، ويطرح مجموعة من القضايا المجتمعية في تعاملها مع هذا الحكم الشرعي من واقع الخبرة والمعايشة والبحث والاطلاع، ويبين الآراء والحلول للتعامل المثالي لكل فئات المجتمع فيما يخص هذا الشأن، فإنني أرجو من القراء الكرام والقارئات الكريمات وهم يُقلبون صفحات هذا الكتاب أن تكون لهم قراءة واعية مستمدة من الإيمان بالله تعالى، ومحتكمة إلى العقل السليم والمنطق السديد، بعيدًا عن العواطف الهوجاء والمشاعر الجوفاء.
وقبل ذلك، فإنَّ على المسلم أن يسلم تسليما مطلقا لشرعة هذا الدين العظيم بكلياته وجزئياته، ويمتثل امتثالا تاما لما جاء في الكتاب المبين والهدي النبوي الشريف، ويجزم جزما قاطعا أنَّ السعادة والخير والفلاح والنجاح والفوز والنجاة في اتباع تعاليم الإسلام والتسليم لها؛ سواء أظهرت حكمتها له أم لم تظهر، وسواء استوعبها عقله القاصر المخلوق أو لم يستوعبها، وسواء تقبلتها النفس البشرية أم لم تتقبلها، ليتحقق له الإيمان الذي به الفوز والنجاة: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا" (الأحزاب:36).
وحسب ما أرى، فإنَّ هذا الكتابَ جديرٌ أن تقتنيه المرأة قبل الرجل؛ ليس لأجل أن تقتنع بالتعدد؛ فالكتاب ليس هدفه الأسمى إقناع النساء بالتعدد أو تشجيع الرجال عليه -وإن وُجد بين ثنايا صفحاته ذلك- وإنما لترضى بحكم الله تعالى إن وقع عليها التعدد، ولتتمسك بحقوقها وتؤدي واجباتها، وتحفظ دينها من ردّات فعلها، ولتنبيهها إلى مسائل مهمة إن تغافلت عنها أو لم تلتزم بها فقد تخرجها من ملة الإسلام، أو تحبط عملها، ناهيك عما قد ترتكبه من ردّات فعل تهدم بها بيتها، وتشتت أبناءها، وتظلم نفسها وأهلها قبل زوجها.
وبما أنَّ هذا الكتاب بحث في قضية شرعية وأحكام فقهية، فقد كان لزاما أن أعرضه على أحد أهل العلم الراسخين، فكان الفضل للشيخ إبراهيم بن ناصر بن سالم الصوافي أمين الفتوى بمكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، الذي تكرم مأجورا مشكورا فقام بمراجعة مادة الكتاب، فوجهني إلى بعض الملاحظات والتعديلات للأخذ بها، فجزاه الله خيرا، وأحسن له العقبى في الدنيا والآخرة.
ختامًا.. وفي جميع الأحوال، فإنني وضعت هذا الكتابَ ليكون حُجة الرجل على المرأة، وحُجة المرأة على الرجل، وهو أنيسٌ لكل قارئ، مفيدٌ لكل مطلع، دليلٌ لكل راغب، وبيانٌ لكل باحث، وتبيانٌ لكل طرف من أطراف التعدد، وذوي العلاقة به، وواعظٌ لكل فئات المجتمع عامة.
أسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا الكتاب كل من يقرؤه، ويُلهم به الرشد كل من اطلع عليه، وأن يجزيني به خير الجزاء، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، ويتجاوز عني ما وقعت فيه من سهو أو خطأ، كما أسأله تعالى أن يجزي أجرًا ومثوبة وإحسانًا كل من كان له إسهام في إصداره ونشره... والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
issa808@moe.om