رفع رسوم الخدمات وتحديات الاقتصاد

 

حمود الطوقي

تابعت خلال الأيام القليلة الماضية التجاذب والأطروحات التي أثيرت في شبكات التواصل الاجتماعي؛ والتي شغلت الرأي العام حول التوجه الجديد لرفع الرسوم على الخدمات التي تقدمها بعض الأجهزة الحكومية الخدمية؛ مثل البلدية والبلديات الإقليمية، ودخلت في الخط وزارة التربية والتعليم، حيث اعتبر المواطن أن هذه الرسوم المرتفعة غير مبررة؛ كون أنها أُقرت بغير دراسة وفي وقت يعاني فيه المواطن من شحٍ في مستوى دخله. هذه الزيادات في الرسوم لم تخدم أيضا القطاع الخاص، والذي يعاني هو الآخر من كساد خانق؛ حتى أنّ عددا كبيرا من المؤسسات الصغيرة والكبيرة فضّل أن يغلق مشاريعه، وبعض هذه المؤسسات أعلنت الاستسلام خوفًا من تفاقم مديونيّاتها وإحالتها للقضاء.

وترى هذه المؤسسات أنّ القوانين الجديدة لن تخدم توجهاتها بل هي بمثابة أداة لاحتقانها وإبعادها من السوق.

عندما نتحدث عن الكساد الذي نجده فعليا ويطفو على السطح نلاحظ ذلك من خلال تذمر أصحاب المُجمّعات التجارية والمحلات التي تعاني من ضعف القوى الشرائية وتراكم الإيجارات عليها وغيرها من الالتزامات المالية التي تهدد هذه المؤسسات بالإغلاق والخروج من السوق.

هذه الحالة التي تعكس الكساد الاقتصادي سببها عدم التنوّع في مستوى الوافدين؛ الذي يمثلون قوة اقتصادية قادرة على إحداث التغيير في الجانب الاستهلاكي. فإذا اعتبرنا أنّ نحو ٢ مليون هم نسبة الوافدين في عمان فإنّ السواد الأعظم من هؤلاء هم من فئة العُمّال من الجنسيّات الآسيوية المعروفة والتي يقل مستوى أجورها عن ٢٥٠ ريالا.

وحتما هذه الفئة لا يهمها سوى ما تحصل عليه من راتب، ولا يُهمها التسوّق أو تنشيط الحركة الاستهلاكية، بل جل همها تحويل ما تتقاضاه نهاية كل شهر من راتب متدن إلى بلادها.

سبق وأن طالبنا بضرورة التعديل في مستوى الجنسّيات التي من المهم أن تفتح لها الأذرع لدخول البلاد بهدف العمل أو الاستثمار، ويجب أيضا الانتقاء لمن نرى أن وجوده سيساهم في تحريك العجلة الاستثمارية والاستهلاكية.

أعود إلى رفع الرسوم التي تقرها بعض الجهات الحكوميّة بهدف تحسين موازنتها، وأقول إنّ التوقيت مهم لدراسة رفع الرسوم، فلا يمكن أن أرفع رسوم الخدمات ولا أكون راضيا عن جودة تلك الخدمات، ولا يمكن أن أعلن عن رفع رسوم الخدمات وأنا أعاني من التدهور في المناخ الاستثماري، وندرة الوظائف، وإيقاف المأذونيات لعدد كبير من المهن التي لا غنى للقطاع الخاص عنها.

مشكلة أخرى تلوح في الأفق وتعتبر مستعصية وهي قلة الوظائف للعمانيين والجهود التي تبذلها الحكومة لسد هذه الفجوة بين الفينة والأخرى. مما جعل المواطنين يناقشون هذه المشكلة في منصات التواصل الاجتماعي من خلال إدراج وسم في شبكة التواصل الأكثر شهرة "تويتر" وحمل الوسم #عمانيون _بلا_وظائف. المئات من المغردين تفاعلوا مع الوسم وبمتابعة الجهات المعنية ومنهم من قدّم مقترحات جديرة بأن تناقش، وأراها مقترحات طيبة وقابلة للتطبيق والتنفيذ، وقدمت حلولا تساعد الحكومة على النهوض بالمواطن وإيجاد وظيفة مباشرة له.

هذه التغريدات الإيجابية والمبنية على حقائق ووقائع جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار، ومراجعتها من قبل الجهات المسؤولة؛ فهي نابعة بحق من مواطن محب لبلده، وينشد الخير والعطاء لأنّ عمان تستحق منه هذا العطاء، في المقابل أرى أن هناك تغريدات أشعلت الوسم من أسماء وهمية غير جادة وأراها مدسوسة لإشعال الفتنة كونها تغريدات غير واقعية، ولا تخدم القضية المطروحة بل تحمل بغضًا وافتراء، وتزرع الفتنة بين أبناء البلد.

 

 

وأنا أشخِّص هذه القضية والتي تأتي في ظل ظروف اقتصادية صعبة وتدني مستوى المعيشة وندرة الوظائف للمواطن خاصة لحديثي التخرج؛ وكمواطن أقول ليس مقبولا الآن أن نرى خطط الحكومة تتراجع بحُجة تراجع أسعار النفط؛ فالمتابع للأوضاع في بلدنا العزيز يلاحظ أن السنوات الأخيرة حملت كثيرا من صدمات التراجع بعد الإعلان عن تنفيذ مشاريع مختلفة؛ كانت الحل المناسب لتوفير المئات من الوظائف المختلفة، ولكننا نرى تراجعا في تنفيذ مشاريع معلنة ومن دون إبداء أسباب، ونظن أننا لم نعد في حلّ من تقبل هذه الأفكار بعد الآن.

هذا يقود إلى وضع الاعتبارات المُلحة بضرورة إعطاء الشباب فرصهم التي تتناسب مع طموحاتهم، وخاصة هؤلاء الذين ضحوا بوظيفتهم الحكومية وأسسوا مؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة؛ رغبة منهم في رفد قطار الاقتصاد الوطني، وهذا لن يحدث إذا ظلّت وجوه الفساد تطلّ بين فترة وأخرى، ولن يحدث إذا راكم المعنيون صناعة (الصدمات) التي تجهض المشاريع الوليدة الراغبة في التنفس والحياة وإثبات الذات، ولن يُقدّر لهذه الشريحة الشابّة الاستمرار إذا نافس الكبارُ الصغار من دون نظرة عميقة إلى أنّ المستفيد من العمل بجناحين هو الوطن ذاته..

إنّ اليقين الذي يسكننا مرتبط تماماً بأنّ صناعة المستقبل من مختلف جوانبه على مستوى الاقتصاد والمخرجات التعليمية الداخلية ومخرجات البعثات؛ كله في النهاية في أحد طريقين، إما تكدّسها أو توظيفها، ففي التكدّس تضييع للطاقات في ما لا طائل منه، أمّا التوظيف فهو يقود إلى الاستفادة من المكتسبات العلميّة والخبراتية والتدريبية التي حصدتها تلك المخرجات خلال فترة تعاطيها التعليم والاستعداد لسوق العمل، وهذا يستدعي العمل على جعل المستقبل أقل وطأة مما هو عليه الآن.