مواقف وشخصيات الشيخ صقربن سلطان القاسمي (3)

الشيخ سالم العبري – سلطنة عمان


في الحلقة الثانية مع شخصية الشيخ صقر بن سلطان القاسمي توقفنا عند (قصيدته الميمية) وشاهدنا كيف كان ينتقل فيها من موقف إلى آخر ومنتهيا بطبيعته، وحسّه القومي ليربط بين عُمان ومصر، ليس بوحي المناسبة فقط؛ بل لأن ذلك النهج الشعريّ هو نهج يميز الشيخ صقر وشاعريته الفذّة، لذلك نسمع له وهو يقول:
عـــدت والأشـــواق ما تعصف بي
                                    لـرأي النـيــل بظـــل الهــرم
منبـــت الأمجــاد فـي عــليــائــــها
                                     والوفا والفخر من كل كمي
ثم يعاود الكرَّة فيقرر الخطاب بنداء المحتفى به:
يــا أحــبائـــي بـــــواد كـــرمــت
                                    فيه سـادات العـلاء مـن قدم
مربــط مــن خــير مـا قــال نبي
                                   منهل من خـير من فيها نمي
مغــدق العــلــم عــلــى أبنـــائـه
                                  والهـدى في كل درب مظلـم
تتحـــرى مهجــتي أقــــــدامكـم
                                  في دروب الأدب المـعتـصـم
حــيث كان الشعـــر يسقينا بما
                                  عجــزت عنه سـلاف الأنجم
ثم يقرر هو ما أوحت  به علي  لوعة الفراق  فهو يقول القصيدة نفسها:
أنا إن فـارقتكــم لا تحــسبوا
                                 أنني غــبت  بجــر القلـــم   
خـــافقي مـا بينكم خــلفتـــه
                                  يتغــني حبكم بين فمــي
ببنمــا كــانت أبـياتي تقــول:
وإذا أتــى يــوم ولــم تجــدوا ليـــا
                             كـرسي عـــز بينكــم متجـليـــا
لاتحسبوا أنــي تــركــت مكانيـــا
                           فأنـا المقيــم ولــن أبـارح نـــاديا
لي فيه غـرس سوف أبقي راعيا
                          روضا غرست وقد روتـه دمائيا
قالـوا لقــد وافـى وبثّ ســلامـه
                            ومضــي إلى غــــاياته متفانيا
ولسوف يأتي بعد ذلك حـاملا
                            ديوان شعر من عُـمان بلاديـا
يهــدى لكــم ولكل حـر باسـل                  
                                 يأبي حـياة أسُّها متداعيــا
* ثم يعود الشيخ صقر ليعبرعن تحكُّم الوطن به وهو يقول بلسان المعتب به:
وطني نادي فهل أسطيع أن
                               أعصي أمر الأمر المحتكم
أنــا ابـــن جــاد بالكــل لــه
                              ولــه أثــرت دنيـــا الخــدم
ثم يعود لعزفه للوطن الذى لا يراه جزءًا مقسما بل وطن التأريخ والمجد والعطاء والإباء والذود عنه
فامضِ يا ســالم لقيــانا غــدا
                               في عُـمان تحـت ظل السـلم
نحــن من أهل عــمان نســبا
                              هــل لهــذا نســب في الأمــم
جمعت أجدادنا الصيد العلا
                             عــزة المجــد وفخــر البلسـم

 هكذا أنهى قصيدته وأرَّخها بالقاهرة في سبتمبر 1988
ومما استوقفني معه في أول لقاء جمع بيننا في منزله بالقاهرة ودعوتنا لتناول الشاي والحلويات أنه لم يكن كما قيل به عشاء متكامل لم يكن الأرز واللحم مكوّنه الأساسي، ثم هذا الاحتفاء منه كان طيلة بقاء المدعوين على الطاولة وفي أركان وباحات الصالة وهو واقف يطوف على كل شخص يقدم له المزيد ويدعوه لهذا الصنف أو الصنف الآخر من المأكولات التى ازدحمت بها الطاولة ويحث على تناول المزيد منها، وهو يتعكَّز على عصاه  التي تعينه على الحركة برجليه التى أوهنها أثر القرفصاء وهو بالسجن وليس ذلك راجعا لكِبر سنه  الذي تطاول به لقرن من الزمان، ولم يهجع الشيخ إلا عندما انفضّ المتحلِّقون حول المائدة وعادوا لصالون الشعر.. بعدها ارتاح الشيخ حين وجد المأكولات قد أعجبت وأفرغت فالكريم لا يهدأ له بال إلا وقد فرغت ضيافته ببطون المدعوين.
ثم توالت اللقاءات بمنزل الشيخ صقر و كانت القصائد التى ألقيت بالحفل أو قبله أوبعده بمناسبة انتهاء عملى بالسفارة هي المتوّج لهذه لهذه الأمسيات،  وكان غالبية الشعراء  قد اكتفوا بقصيدة  عبروا بها عن تكريمهم  وإخائهم  لى  كشخص أو لعُمان كموطن  وتاريخ وحضارة  إلا أن الشاعر الفلسطيني الفذ على هاشم رشيد  كان قدر في كل لقاء على أن يأتي بمنظومة شعرية جديدة ربما تحمل الشيخ الثانية و الثالثة ثم انتقد هذا  التصرّف وقال بما معناه  هذا ملق  ولا يليق بالشاعر الكبير الذى ترجمت مجموعة من أشعاره الوطنية للغات متعددة وألقيت بعدة مؤتمرات بموسكو وبلجراد.. إلخ و لا أريدها لسالم  لأنها تزيد  و أوقفه عن قراءتها إلا مشاركته الأولى التى نشرت بالكتيب الذى احتوى تلك القصائد  والكلمات  ولذلك لم تضمن تلك المجموعة  بإصرار من الشيخ واتفق معه الأستاذ الدكتور مصطفى  الشكعة الذي اعتنى بالجهد الأوفر في طباعتها.
ولقد تلاقت الأفكار معي بنهج الشيخ صقر أيضا  في التعريج  إلى الإشادة بمصر وتأتي إشادتي بها ليس من موقع العمل فقط بل من أثر أعوام طوال قضيتها بها متعلما من الابتدائية  بنظام الوافد ثم  نظاميا بالإعدادية والثانوية والجامعة  ثم هي ملهمة الإباء والتحرر العربي  والعالمي  من الجزائر إلى الجزيرة العربية  مرورا بالعراق وفلسطين وهي إذ تعلم الأمة ولا تكتفي بمؤسسات التعليم فقط بل تقدم الإعاشة من عدة جهات حكومية كالوافدين والمجلس الأعلى للشؤن الإسلامية والاتحاد الاشتراكي  لذلك كان الجزء الذى حول مصر من قصيدتي من (10) أبيات تبدأ من..
يـا أم أنـت هـــدايــة مــن ربـــنـا
                         نبـــع الحــنان وأنت أصـل حياتنـا
أنت التي وسعت سماحتك الورى
                        فضممت ثائــرنا وكنـــت نصيـرنا
هــذا الخليــج يقــر أنــك ناصــر
                        صيحات حـــر أشعـــلت أفـــذاذنــا
وعلى الجـزائر قبلة مـن ناصـر
                        رمــز على التحــرير من أمجـادنـا
وزكــاة علمــك أمطـرتنا وابلا
                        أو كـــان طـــلا دائمـــا لعقــولنــــا
فقدت ظلال الجهل أوراق الشتا
                        سقطـــت لأدنـــى نفثــة من روحنا
وأريـج نيلك عطـر كل نسائنــا
                        وجــمالـه ينبــــوع كـل بيـــــاننـــــا
وعلى ضفاف النيل كان لقاؤنا
                        جمـــع العـــروبة والوفـــا ميثــاقنا
وقصيــدنا يدعــو إلى غاياتنا
                        ديــن حــنيف حــصننا ومـــلاذنــا
وبناء أوطان على ذاك الهدى
                        بأســــاس عــــدل لا يفـــرق بيننا

ثم تختم أبياتي بالغاية التى كان الشيخ رأس الدعاة إليها أنها الحرية  التى يحلم بها كل المصلحين والمفكرين والرجال الذين يبنون الأمم والأوطان
وقـــــوام ذلك كلــه حــــــريــة
                         أحـيت بلابلنا فطـاب نشيدنا
فإذا الحياة أصابها غيث السما
                        هـزت به وربـت فتـم نعيـمنا
هذي الحياة كما نريد وحسبنا
                        طير يغرد والصدى ترديدنا

وإلى اللقاء التالي  في حلقة جديدة  من مواقف وشخصيات

تعليق عبر الفيس بوك