المدرسة السعيدية .. التاريخ الحي

علي بن بدر البوسعيدي

يفوح عبق التاريخ من كل ركن فيها، تكاد تسمع أصوات التلاميذ وهم يرددون الأناشيد والدروس خلف المعلم، وترى نور العلم يخرج من بين جنباتها ليضيء سماء عمان، إنها المدرسة السعيدية، أول مدرسة عمانية في العصر الحديث، تم إنشاؤها عام 1936، وافتتحت على يد السلطان سعيد بن تيمور والتي تشرفت بكوني واحداً من تلاميذها.

فقد فتحت المشاركة في الملتقى الذي عقد لخريجي المدرسة السعيدية بوابة الذكريات على مصراعيها، وهو حدث فريد يجب أن يتكرر بشكل دائم حيث يتجمع زملاء وأصدقاء العمر في احتفال جميل.

عندما أقترب منها تحيط بي ذكريات جميلة، وأكاد أسمع وأرى الرفاق والأحداث وكأنها أمامي، أشاهد الطابور وأمامي الأستاذ توفيق عزيز مدير المدرسة وهو ينظم الطابور ويوزع تعليماته علينا من أجل يوم دراسي، وزملاء الدراسة أذكر منهم معالي السيد حمود بن فيصل ومعالي السيد خالد بن هلال وسعادة السفير السيد أحمد بن هلال، والصديق جمعة بن علي آل جمعة والسيد سلطان بن حمد، والمكرم حاتم الطائي وغيرهم ممن حفرت ملامحهم وذكرياتهم على جدار الذاكرة، تظل صداقة المدرسة لها روح ونكهة خاصة لا يُمكن أن تمحى من الذاكرة، ولا أنسى الإخوة الأعزاء الشيخ عبد الملك الهنائي وأخيه سعادة السفير عبد العزيز الهنائي.

وهناك الكثير والكثير من الأسماء كلها تنتمي إلى جيل ذهبي تحمَّل مسؤوليات جمة في بدايات عصر النهضة، منهم من يواصل العمل والمشاركة في البناء ومنهم من رحل نذكر سيرته العطرة بكل خير ونترحم عليه.

 

 

وأرى حارس المدرسة "ربّاع" والكثير من الملامح وأسمع الأصوات وأذكر جيداً شقاوة ومرح الطفولة الجميل، ومشاغباتنا مع بعضنا البعض ومع المعلمين، حيث كان لي الشرف أن أتلقى العلوم المختلفة على أيدي نخبة من المعلمين الذين لا أنساهم أبداً.

كذلك فإنَّ المدرسة السعيدية ليست مجرد مدرسة عادية، مثل باقي المدارس بل هي مؤسسة وجامعة، خرجت أجيالا وتركت في قلوبهم وعقولهم ذكريات طيبة لا تنسى.

 كان يجب على هذا الصرح التعليمي الكبير أن يصبح في مكانة تليق به وبتاريخه الكبير في قلوبنا وعقولنا، وفي مسيرة التعليم في السلطنة، ولهذا تم تحويلها إلى متحف المدرسة السعيدية للتعليم؛ تناغماً مع المكانة المرموقة التي كانت -ولا تزال- تحتلها المدرسة السعيدية نفسها؛ كون تأسيسها كان الحدث الأهم في الحقبة الماضية، خرَّجت أجيالاً ورجالاً، أسهموا في بناء عُمان، كما أنَّه يُوثِّق المراحلَ التاريخيَّة المختلفة التي مرَّت بها العملية التعليمية في السلطنة، والتطورات التي صاحبتها خلال العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي أولى التعليمَ جلَّ اهتمامه منذ البدايات الأولى لعصر النهضة المباركة.