عُمان ومصر.. التقاء إستراتيجي

حاتم الطائي

برصيدٍ تاريخيٍّ وعُمقٍ حضاريٍّ مشترك يمتد لأكثر من خمسة آلاف عام، يحلُّ ضيفًا على مسقط، اليوم، وبدعوة كريمة من لدُن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في قمةٍ ثنائية، تنعقدُ على طاولة تعزيز علاقات التعاون القائم، لتُمثل بذلك حلقة إتمامٍ لثقلٍ دبلوماسيٍّ بين طرفيها، وفرصةً مواتية للتشاور والتنسيق حول مُستقبل المنطقة، وفق رُؤى وتفاهمات تقفُ على أرضيةٍ توافقية مُشتركة، والتقاء إستراتيجي حكيم؛ سواءً ما تعلق منها بالتوجُّهات أو المواقف العملية الفاعلة على ساحة "فن الممكن".

وانطلاقاً من كون مسقط واحة السلام والاتزان السياسي الإيجابي بامتياز، وعلاقتها بالقاهرة العمودٍّ الفقريٍّ للاستقرارٍ الإقليمي والدولي أيضا، فإنَّ قمة اليوم تعدُّ ضمانة حَل لتطوراتٍ إقليميةٍ صَعْبة، وملفات وقضايا ما زالت تغلي فوق مِرجل الاختلافِ، والإرهابِ، والحروبِ، والدمارِ. ويُبرهن الموقف العُماني ونظيره المصري، حرصًا أكيدًا على العمل الدؤوب والتعاطِي بشكل شبه مُوحَّد مع القضايا والمستجدات؛ وذلك وفق توجُّهات حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة؛ وهو -في رأيي- أنه مُعْطَى يُمثَّل في حقيقته أنموذجا حيًّا، وشاهداً ثريًّا على نموِّ وازدهارٍ متانمٍ في العلاقات البينيَّة العربية، وترجمةُ ذلك عَكَسها ذاك الترقُّب والاهتمام العربي والدولي الواسع لأصداء قمَّة اليوم، لجهة ما يُتوقع أن يخرج عنها من مَلامح وموجِّهات جديدة تُواكِب المستجدات، وتُبنَى عليها تكاملية توجُّه قرارات البلدين تجاه استقرار المنطقة، وحل الخلافات، وحلحلة القضايا العالقة، وصَوْن الأمن القومي العربي بشكل عام، بما يحافظ على مصالح مختلف الأطراف.

إنَّ ما يرفع سقفَ الآمال المعقودة على قِمَّة اليوم.. هو تلك "التقابلية" العُمانية شديدة الخصوصية مع الحضارة المصرية التليدة منذ زمنِ الفراعنة وحتى اليوم، ودَوْرها الرئيسي -وأعني التقابلية الحضارية- فيما نشهده من تطابُق في الرُّؤى والتوجُّهات وآلية حل الإشكالات، والتنسيق المُستمر بين الطرفين على مختلف المستويات، واطلاع دائمٍ على كافة الأحداث، ونظرة استشرافية لمستقبل أكثر استقرارًا؛ بما يكشفه كل هذا من تعاملٍ مسؤولٍ وواعٍ يتسم بالحكمة الثقافبة، مع ما يستجد على الساحة إقليميا وعربيا. صحيح أنَّ آخر زيارة رسمية لرئيس مصري إلى السلطنة كانت قبل تسعة أعوام من الآن، إلا أنَّه لا يخفى على أيِّ متابع لمؤشر العلاقات الثنائية بين البلدين ما تشهده من دفعاتٍ قوية، بفضل انسجام المواقف والسياسات، في إطار علاقات أخوية متينة وراسخة، تخدُم ما اشترك من مصالح، لتنمو وتتطور: رسميًّا وشعبيًّا، تأسيسًا على تقارب والتقاء واسع وإيمان عميق برسالة السلام.

وهي مُناسبة مُواتية للتأكيد على ما شكَّلته العقيدة السياسية العُمانية -الطامحة للحفاظ على علاقات الأخوة مع كافة دول العالم، بأساس يستند للوئام والاحترام المتبادل- من ملمحٍ جليٍّ في علاقاتها مع القاهرة، عبر مواقف خلدها التاريخ، تُمثل قاعدةً عملية لمساعيها نحو تهيئة أفضل مناخ مُمكن للعلاقات، وتعزيز سبل تحقيق السلام والأمن والاستقرار. ولا شك أنَّ السلطنة تمتلك إيمانًا راسخًا بحقِّ مصر في اختيار سياساتها ومواقفها، وتحديد مصالحها؛ استنادًا لدورها ومكانتها وتأثيرها الدولي، وقدرتها على الإسهام الإيجابي في تحقيق مصالح المنطقة ككل، في مناخ سياسي يعزِّز الأمن والاستقرار، ويدفع جهود حل الخلافات نحو الطرق السلمية.

... إنَّ قمة الحكمة المقرَّرة اليوم، بما تمثله من التقاء حضارتيْن لهما تاريخهما الضارب بأعماق التاريخ، تحت مظلة سياسية لها مصداقيتها، ستكتُب صفحة جديدة ليس في تاريخ العلاقات الثنائية بين عُمان ومصر فحسب، بل في مسيرة العمل العربي المشترك، ومستقبله الدَّافع للتنسيق الثنائي فى المجالات السياسية والإستراتيجية والأمنية، على أُسس متينة من التشاور والتفاهم، تكفل دفع مسيرة التعاون الثنائي نحو مزيد من التكاملية والرسوخ.

الأكثر قراءة