جمال الكندي
بعد النجاح الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في شرق سوريا، بإنهائهم أسطورة "داعش"، وإفشالهم المخطط الأمريكي في استثمار الظاهرة "الداعشية" لأطول فترة مُمكنة، فتح الجيش الأمريكي ملفا جديدا يأمل من خلاله خلط الأوراق العسكرية بعد انتهاء لعبة "داعش"، التي كانت الذريعة لبقاء الوجود الأمريكي غير الشرعي في سوريا باسم مكافحة الإرهاب.
الفشل الأمريكي الذي ولد من رحم النجاح السوري في مُحاربة "داعش"، وإنهاء وجوده في سوريا بنسبة كبيرة جداً، قضى على الذرائع الأمريكية للبقاء في الجغرافية السورية، لذلك كان لابد للإدارة الأمريكية من إيجاد مُبرر جديد، وإستراتيجية مختلفة تُشرعن وجوده في الساحة العسكرية السورية.
من هنا جاء العنوان الجديد، وهو إنشاء جيش الشمال ذي الغالبية الكردية لمواجهة الإرهاب، ولا نعلم أي نوع من الإرهاب الذي سيواجه الأكراد، هل هو الجيش السوري، أو الجماعات المُسلحة المنضوية تحت القيادة التركية، أو هو الرئة التي ستتنفس من خلاله أمريكا في سوريا، وتتحرك ضمن مصالحها وأجنداتها الخفية في المنطقة. أمريكا تلعب بورقة الأكراد في سوريا، وهي الورقة التي من خلالها تريد البقاء والمشاركة في رسم السياسات الجديدة لسوريا من خلال هذا المكون، لأجل ذلك تخلق له ذراعاً عسكرية قوية، تستثمر سياسياً في أي تفاهمات مستقبلية مع القيادة السورية.
ولكن هذا الجيش يصطدم بالتركي حليف أمريكا في المنطقة، وهنا تكمن المُفارقة، وتنتج لنا معادلة جديدة لاعبوها الأساسيون هم السوري والتركي والكردي.
المشكلة عند الأمريكان هم الأتراك، لأنَّ الدعم الأمريكي لهذا الجيش هو ضد الحليف التركي، لذلك جاء التركي لقلب أورق الشمال كذلك عن طريق العملية العسكرية التي بدأها في مدينة عفرين، وحسب التصريحات التركية ستنتهي عند الحدود العراقية، طبعاً التوقيت هنا مُهم، وأهميته في كون الأمريكان خذلوا الحليف التركي، وقاموا بدعم جيش رأس حربته من المكون الكردي، العدو الإستراتيجي لتركيا فتم الإعلان عن عملية عفرين تزامناً مع تكوين هذا الجيش.
بالمقابل استغل المحور السوري الإرباك في البنية العسكرية لدى مسلحي الشمال، والذين هم تحت التبعية التركية إن صح التعبير، وانشغال تركيا بمجابهة الكرد في مدينة عفرين، ليُحرر مئات الكيلومترات من قبضة جبهة النصرة في أرياف حلب وحماة وإدلب، ولم نر ذلك التدخل التركي الكبير الذي وجدناه في معارك حلب وريفها، وتاج النصر الكبير هو تحرير الجيش السوري لمطار أبو الظهور الإستراتيجي، والذي سيكون قاعدة انطلاق مهمة لتحرير مدينة إدلب وما حولها.
أوراق الشمال السوري اختلطت بأجندات تركية، كردية، أمريكية، فكلما اقترب الأمريكي من الكردي، ظهرت تفاهمات روسية تركية، ونسمع تصريحات من قبل التحالف الأمريكي تخدم الأتراك في عفرين، بالقول إنَّ التحالف الدولي ضد الإرهاب ليس معنياً بالتدخل في عفرين، وهذا طبعاً ضوء أخضر أمريكي يشرع للأتراك مهاجمة عفرين، وهنا نجد المكون الكردي في عفرين يلوح بتسليم المنطقة للجيش السوري، وهنا طبعاً لا يستطيع التركي مهاجمة المدينة وفيها الجيش السوري حليف الروس.
محاولات قلب أوراق الشمال من قبل الأتراك والأمريكان ستفشل لأنَّه في النصف يوجد الأكراد، والمعادلة الجديدة تقول كلما توافق الأتراك مع الأمريكان في عفرين اقترب الأكراد من السوريين والعكس صحيح، فكلما توافق الكردي والأمريكي في الشمال وتم تهديد الجيش السوري بجيش جديد يخلق ممرا أمريكيا يعزل الحكومة السورية في الشمال، نجد توافقًا روسيًا تركيًا يخدم الجيش السوري وتبقى لعبة السياسة حاضرة توظف في الميدان السوري.
إنَّ الشمال السوري ربما يُحدد مصير التسوية السياسية في سوريا، ومن يربح الشمال السوري سيرغم كل اللاعبين فيه بقبول شروط المنتصر، ومن ربح شرق سوريا وحيّد مسلحي الغوطة وأجبرهم على قبول التسويات، قادر على ربح الشمال السوري، وأوراقه المتداخلة هي مفتاح ربح الجيش السوري وحلفائه.
تداخل هذا الملف سيستفيد منه الجيش السوري، وكما ذكرنا فإنَّ وجود المكون الكردي بين الأمريكي والتركي سيقلب الأجندات التي تُريد إخراج الجيش السوري من منطقة الشمال، وهذه هي لعبة السياسة، وأول مفاعيله تحرير مطار أبو الظهور العسكري.
جيش الشمال الذي أوجدته أمريكا على عجل مصيره الفشل، وهو مرفوض سورياً، وتصريح الخارجية السورية بأن أي جيش خارج نطاق الجيش السوري ومكوناته سوف يتعامل معه كتعامل الجيش السوري مع الجماعات المسلحة سواءً التي تسمى معتدلة أو الإرهابية، دليل على موت هذا الجيش قبل ولادته.