الرأسمالية تتحكم بخطة التعمين

حميد السعيدي

الرأسمالية وطنها المال، وهدفها حجم الأرصدة التي سوف تُجنى نهاية العام، ومهما كانت الأدوات التي اتُّخذت، والقوى البشرية التي استخدمت، والثروات والموارد الوطنية التي استغلت، فإنها لا تشفع لأبناء هذا الوطن أن يكون لهم نصيب من هذه الثروات من خلال توظيفهم في هذه المؤسسات؛ لذا فالرأسماليون يتجهون نحو البحث عن العمالة الوافدة من أجل جني أرباح أكثر؛ نظراً لقلة الأجور الشهرية مقابل العمالة الوطنية، وساعات عمل أطول، إلى جانب الرغبة في الحصول على عوائد أكثر، عبر توظيف العمالة الوافدة من خلال ما تمتلكه من علاقات بنظيرتها في المؤسسات الأخرى تدفعها للتحكم في القطاع الخاص، وتنجز أعمالها بصورة أسرع من العمالة الوطنية؛ من خلال وجود فئات كبيرة منهم في كل مؤسسات القطاع الخاص تستند إلى بعضها في تكوين قوى خفية تدير المصالح وتحرك الأعمال.

هذا ما أكده ماركس في نظريته عن الاقتصاد والسياسة المعروفة باسم الماركسية، والذي يعتبر من أعداء الرأسمالية، لذا تعرض للكثير من النقد ممن ينتمي للرأسمالية أو يتعامل معها، والواقع الذي يحدث اليوم في مناطق العالم يعود بناء للتفكير وقراءة فكر ماركس حول الرأسمالية وأهدافها لجمع المال دون النظر للاعتبارات الإنسانية أو الوطنية؛ حيث عارض "ماركس الرأسمالية التي أسماها ديكتاتورية "البورجوازية"، والتي تعتمد على قيام الطبقات الغنية لأجل مصالحها البحتة"، وهذا الأمر يولد العديد من الإشكاليات المتعلقة بالبناء الطبقي الاجتماعي، ويخضع العمالة للاستغلال دون الحصول على حقوقهم مقابل الجهود التي يبذلونها؛ لذا نجد أن الأرباح السنوية التي تحصل نهاية العام تصل إلى نسبة عالية، ويتناسى هؤلاء الرأسماليون أن هذه الأرباح تم تحقيقها من خلال العمالة التي تجتهد من أجل الحصول على رزقها، وهنا تحدث الفجوة بين طبقات المجتمع، الأمر الذي يسهم في سيادة البطالة والفقر، وسيادة الغناء والجشع لدى فئات أخرى.

الأمر الذي يقودنا بالفعل للتفكير في فكر ماركس بأن الرأسمالية همها إيجاد كل الوسائل التي تسهم في التقليل من النفقات وزيادة نسبة الأرباح، وهذا لا يتفق إطلاقا مع خطة التعمين التي تهدف لتمكين العمالة الوطنية من العمل في سوق العمل، والتقليل من نسبة العمالة الوافدة بصورة تدريجية، وما يقودنا إلى ذلك أن هذه الخطة التي بدأ العمل فيها منذ العام 1988م وأكملت اليوم عشرين عاماً، إلا أن نسبة التعمين لم ترتفع أكثر من 12%، بل إن هذه النسبة ظلت ثابتة طوال السنوات الثلاثة الماضية، يقابلها طفرة في أعداد العمالة الوافدة والتي بلغت أكثر من المليون ونصف المليون في القطاع الخاص؛ مما يوجه الأمر للحديث عن المؤسسة المعنية بالتوظيف ودورها في إيجاد البيئة التي تساعد على تحقيق رؤية التعمين في القطاع الخاص والحكومي، ولماذا لم تحقق هذه الرؤية طوال السنوات الماضية؟ أم أن الرأسمالية فرضت نفسها بقوة وتحكمت في خطة التعمين؟

وحتى نؤكد كل هذه الإرهاصات نتَّجه حول لغة الأرقام التي نشرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن العمالة الوطنية والوافدة في القطاع الخاص، حسب آخر إحصائيات نوفمبر 2017، لعلها تجد لنا أو لهم العذر فيما يصدره الرأي العام من احتمالات كثيرة حول الوضع الراهن، وبتحليل الإحصائيات نكتشف العديد من الحقائق التي تبرهن على إخفاق خطة التعمين وعدم مقدرتها على تحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، وخلال هذا المقال سأحلل الإحصائيات حسب مجموعة من الأطر، ومقارنتها بالإحصائيات الوطنية، وفقا للتالي:

- المستوى التعليمي: يبلغ عدد العاملين الوافدين بالقطاع الحكومي والخاص الحاصلين على مستوى الثانوية فما دونها 1687181 وافدا، وهذا يعني أن 90% لا يمتلكون مؤهلات علمية تساعدهم على تولي وظائف فنية أو مهنية أو هندسية أو تخصصية. ويبلغ عدد الحاصلين على مستوى الدبلوم 50407 وافدين وتبلغ نسبتهم 2.7%. أما المستوى الجامعي، فيبلغ عددهم 88541 وافدا ونسبتهم 4.7%، في حين أن حملة الشهادات الجامعية 88514، وحملة الدكتوراه والماجستير 8043، والدبلوم العالي 4616، ويشكلون ما نسبته 5.4%، وهؤلاء يعمل جزء منهم بالقطاع الحكومي والخاص، وهذه الأرقام لها العديد من الدلالات عند مقارنتها مع نوعية الوظائف التي تشغلها العمالة الوافدة؛ حيث إن معظمهم غير مؤهل ولا يمتلكون المستوى العلمي الذي يؤهلهم لتولي وظائف ذات مستوى أعلى من قطاع العمال إلا ما نسبته 10%، وهؤلاء يتوزعون بين القطاع الحكومي والخاص، ولو علمنا أن الجزء الذي يمتلك الشهادات الجامعية يعمل في المدارس الحكومية والمدارس الدولية والخاصة والجامعات والكليات والمعاهد الحكومية والخاصة، فهذا يعني أن النسبة المؤهلة والتي تعمل بالقطاع الخاص غير المعني بالتعليم والتدريب منخفضة جدًّا، ولم أتمكن من الحصول على إحصائيات تستطيع أن توضح هذه النسبة، ولكن وفقا للمؤشرات فإن الاحتمالية أنها قليلة جدًّا.

- الوظائف المهنية: يبلغ عدد العاملين والوافدين في القطاع الخاص في مستوى الإدارة العامة 36956 إداريا. أما الاختصاصيون في الوظائف العلمية والفنية، فعددهم 81568 مختصا، أما المهن الفنية والهندسية الأساسية والمساعدة والمهن الكتابية فيبلغ عددهم 890309 وافدين، وتبلغ نسبة هذه الوظائف من المجموع الكلي 49.4%، ومقارنة مع النسبة ذات المستوى الجامعي 10%، والتي تتوزع بين القطاع الحكومي والخاص، فيعني أن نسبة كبيرة يعملون في وظائف ذات طبيعة اختصاصية وتتطلب مؤهل الدبلوم العالي فما فوق، والواقع أنهم لا يمتلكون ذلك، وهؤلاء رواتبهم تفوق رواتب قطاع العمال، في حين أن العمالة الوطنية تمتلك المستوى العلمي الذي يؤهلها للعمل في هذا القطاع، وهنا تكمُن التناقضات بين من يُبرر ذلك لعدم وجود الكفاءات الوطنية المؤهلة، في حين أن لديه موظفين وافدين لا يمتلكون مؤهلات علمية، ونسبة كبيرة منهم في مستوى الثانوية وما دونها، وما يجب تبيانه أيضًا أن العاملين الوافدين في قطاع الزراعة وتربية الحيوانات وصيد الأسماك ومهن البيع يبلغ 192398 وافدا، وتبلغ نسبتهم 10% من العمالة الوافدة، وهذه الفئة التي تكون رواتبها منخفضة؛ مما يعني لا وجود عذر للقطاع الخاص في عدم توظيف العمالة الوطنية، ولا تُوجد مُبرِّرات يستند إليها في عدم القيام بواجبه الوطني في رفع مستوى التعمين.

- القطاع الحكومي: بالعودة إلى القطاع الحكومي (المدني)، والذي يوجد به أكثر من 59246 وافدا، يشكلون نسبة 16% من بين موظفي الحكومة، والتي تبلغ بها نسبة التعمين 84%، وهي نسبة بحاجة لمراجعتها، خاصة وأن هناك إحصائيات تشير لوجود ارتفاع في نسبة العمالة الوافدة في قطاع مؤسسات التعلم العالي في الجامعات الحكومية والكليات والمعاهد التي تتبع مؤسستي التعليم العالي والقوى العاملة؛ مما يطرح تساؤلا معنيا بالعُمانيين الذي يمتلكون مؤهلات علمية في مستوى الدكتوراه والماجستير ولا يتاح لهم العمل في قطاع التعليم العالي، فهل الوافد يمتلك خبرات ومهارات أعلى من العُماني؟ وهل هذا الوافد يستطيع أن يحقق ما لا يقدر عليها العُماني؟ ولماذا نرسل العُمانيون للالتحاق بأفضل الجامعات العالمية إذا لم تتيح لهم المجال من أجل تعليم أبناء هذا الوطن، في ظل وجود باحثين عن عمل من حملة شهادة الدكتوراه والماجستير 127 باحثا عن عمل، ووجود عدد أكبر من حملة الدكتوراه يشغلون وظائف متنوعة، والأفضل أن يتم توجيههم للعمل في التعليم العالي والاستفادة من قدراتهم ومهاراتهم في بناء أجيال من الشباب المكافح لأجل عُما؛ ، بحيث نحقق التوازن في نقل الموظفين بين المؤسسات الحكومية والاستفادة من المختصين حسب إمكانياتهم.

Hm.alsaidi2@gmail.com