الشيخ إبراهيم الكندي رحمه الله

يونس البوسعيدي – سلطنة عُمان


ابن السلالة الكِندية العظيمة التي بها قيل  (لو انتسب العِلْمُ لقال أنا كندي، ولو انتسبتْ الإمامةُ لقالتْ أنا خروصية)، هكذا ذهب أبناء القبيلة العربية العريقة في عمان (بنو كندة) بتيجان  العلم الأزليّ حتى نُسِب العِلْم لهم، تخيّل أنْ يقال (العلم بن فلان الكندي). فهو حفيد العلماء الذين كتبوا (المصنف) (وبيان الشرع) والتي هي بلا شك من أكبر المصنفات الفقهية الإسلامية بامتدادها لما ينيف على سبعين جزءا.
مثّل الشيخ إبراهيم لديّ صورة العالِم الذي كنّا نقرأ عن ذكائه الوقاد في الأسفار العتيقة، فالشيخ إبراهيم أصابه العمى في باكورة العمر وتمتع بذكاء وَقّاد وحافظةٍ حاسوبية، ومعرفة بأفانين من العلم لم يذهب لها كثيرون من العلماء الشرعيين، إضافة لذلك فقد بدى في ناظري مثالًا (للعالِم الحداثيّ) ، فقد كان متفتّحًا على المعارف الجديدة محبًا للأسفار والحياة، فأدْلجَ مفهومَه الحديث لكيفية حياة الحياة ، مبتعدًا عن الكيفية المنطبعة عن النمط الإباضي المعروف بالزهدِ جدًّا في الحياة.
الشيخ إبراهيم الكندي كان عالمًا بارعًا في علوم اللغة العربية والفقه والتفسير، ومع ذلك لم يتكوكب حوله التلاميذ بجمهرةٍ كبيرة كما يتكأكأون على شيخٍ ما، لأنّ لحيةً نبتت له وطوَّق عنقه بالعمامة، ولا يساوي علمه عُشْر علم الشيخ الكندي رحمه الله، ولذلك أسبابها التي لا حاجة لذكرها هنا، لكن الشيخ الكندي كان يلقي بعض الدروس في الإذاعة وفي جامع (القلعة) بنزوى، ودرسُه في الإذاعة كشف عن ميل للشيخ الكندي إلى الأساليب الحديثة والبُعد عن النمطية القائمة في إلقاء المحاضرات بركاكة.
كان أول لقاء لي بالشيخ الكندي في سوق نزوى، كنتُ يومها في سيارة جدي الشرياني رحمه الله الذي رَآه من بُعد ثم قال لي (سير قاوْدُه، قول له باغنك الشرياني) وحين سلَّما على بعضهما كان الحديث فكِهًا بينهما، فجدّي - رحمه الله - نادى الشيخ إبراهيم:
- خالي كيف حالك؟
- الحمد لله عمي.
وظَل الحديث بينهما في تصاعد حلوٍ ، أدهشني يومها و فاجئني أن العمائم تقهقه. وهو الحدث الحديث الذي تذكرته لاحقًا لما علمتُ أنّ لجدي الشرياني خؤولةٌ كندية.
وفي لقاء واقف شهدْتُه بينه وبين الشيخ خلف بن حمدان البوسعيدي في صرح الجامع كان لقاءً أشبه بمناظرة فصيحة، فالشيخان في ذلك اللقاء لم يتكلما بغير الفصيح. - رحمهما الله -.
لتتوالى بعدها اللقاءات متفرقة، وتأتي الإشاعة قبل حوالي شهر بوفاته، ويأتي الخبر اليقين الْيَوْمَ أنّ السلالة الكندية العظيمة تفقد أحد أعلامها الذين خُلقوا فردًا، وعاشوا فردًا كأمّة.

تعليق عبر الفيس بوك