حماية المستهلك.. العملة النادرة

عيسى بن علي الرواحي
منذ أن كُنّا صغارًا ونحن نسمع عن دائرة حماية المستهلك التي تتبع وزارة التجارة والصناعة، لكنَّ الكثير منَّا كان ينعتها بأنّها حماية التجار لا حماية المستهلك، ولم يكن لهذه الدائرة في النظرة العامة للمجتمع وزنٌ ولا قيمة، كما لم يكن يعرف الكثير عنها شيئا لكونها غائبة عن واقع المجتمع، أو مُغيبة أو عاجزة عن تأدية رسالتها الحقيقية! هكذا كانت النظرة إلى حماية المستهلك، وهكذا هي حقيقتها أصلًا، لكن الحركة التصحيحية التي شهدتها البلاد عام 2011م، والتي كان من ضمنها إنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك بالمرسوم السلطاني 26/2011م غيرَّت النظرة الدونية إلى حماية المستهلك إلى نظرة علوية سامقة؛ فصارت حماية المستهلك اسمًا على مسمى، وصارت ملجأً لكل مستهلك، وملاّذا له من الجشع والأطماع التي باتت سمة غالبة عند بعض التجار والشركات التجارية.
 
لقد قلبت هذه الهيئة الفتية في فترة وجيزة الموازين رأسًا على عقب، وأظهرت الحقائق المرة، وكشفت المخبوء والمستور الذي كيد لأبناء الوطن عقودًا من الزمن من قِبل ذوي الأهواء المريضة والأطماع الجشعة من التجار والمتنفذين في هذا الوطن العزيز.
ومهما وصفت الألسن ودونت الأقلام وكتبت الصحف عن هيئة حماية المستهلك فالشهادات في حقها مجروحة، وكيف تفي المقالات والصحف تلك الإنجازات الكبيرة والجهود الجبارة والأعمال الإنسانية والأدوار النبيلة التي حققتها هيئة حماية المستهلك في فترة وجيزة عجزت عنها بعض المؤسسات المعنية أن تحققها في عقود متوالية، سواء فيما يتعلق بمحاربة الغش التجاري أو سلامة الغذاء أو منع الاحتكار أو تثقيف المستهلك أو غيرها من الأعمال، ناهيك عن الإنجازات العربية والإقليمية والإشادة الدولية التي حظيت بها الهيئة خلال السنوات القليلة الماضية من عمرها؟! ولمن أراد التعرف عليها ومعرفة تفاصيلها فهي متاحة له بكل سهولة ويسر في كثير من المواقع الإلكترونية.
اطمأن المواطن والمقيم إلى هذه الهيئة الرائدة التي تحميه من سوء رذائل التجار، وأصبح يلتجئ إليها إذا شعر بغررٍ أو دُلس عليه أو أوقعَ في شباك الغش في كل ما يخصه من شؤون معاملات البيع والشراء، وليس أدل على ذلك من مئات الآلاف من الشكاوى والبلاغات التي تلقتها الهيئة من المواطنين والمقيمين خلال عمرها القصير، بل أصبحت محل إعجاب الكتاب والشعراء، فمن كاتب يصفها بأنّها طوق النجاة وملاذ الحياة إلى شاعر يصفها بقوله:
ليهنَكِ السعدُ أيا * حمايةَ المستهلكِ
قدْ قُمتِ بالأمرِ على * أتمّ ما قيلَ لكِ
أنقذتِ شعبًا طيّبًا * من ظالمٍ وحائكِ


حقيقتان مهمتان تتمثل لدينا بكل وضوح عندما نتحدث عن هيئة حماية المستهلك، هاتان الحقيقتان معلومتان عند عامة المجتمع، ومرفوضتان عند بعض المسؤولين، وقد يكونان غائبتين أو مغيبتين عن أصحاب القرار، وهما على النحو الآتي:
الحقيقة الأولى: ما يواجهه الوطن والمواطن من تحديات وعقبات في مختلف القضايا سواء الاقتصادية أو التنموية أو الصحية أو التعليمية أو مشاكل الباحثين عن عمل أو غيرها تكمن أسبابها أولا في القيادات التي تدير هذه المؤسسات، والعقول التي تخطط التخطيط السليم والأيدي التي تنفذ التنفيذ الأمين، وتعمل بتفانٍ وإخلاص؛ فلم تحقق الهيئة العامة للمستهلك تلك الإنجازات الكبيرة وتصل ذرى الإشادة والتقدير المحلي والدولي لولا ربانها القيادي الماهر سعادة الدكتور سعيد الكعبي، وجنوده الأوفياء المخلصون الذين تسلحوا بالعلم والمعرفة والمهارة، والصبر والتضحية، والإخلاص والتفاني والعطاء في أداء رسالتهم النبيلة، فكان تخطيطهم سليما، وتنفيذهم متقنًا، وإرادتهم عالية، وهممهم وقّادة. وأيما مؤسسة امتلكت تلك العناصر الرائدة الأمينة المتمثلة في القيادة والتنفيذ فلا ريب أنَّها ستذلل كل الصعاب والعقبات، وتتغلب على كل الأزمات والتحديات، وستحقق ما تصبو إليه من أهداف وطموحات، وستصل بفكرها وإرادتها ذرى المجد والعلياء، وصدق الله العظيم القائل: (... إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) القصص آية 26.
الحقيقة الثانية: ما واجهته وتواجهه هذه الهيئة بين الفترة والأخرى من محاولة تقليص صلاحياتها أو إعادتها إلى المربع الأول أو التضييق عليها في أداء رسالتها من قِبل بعض صناع القرار أو المتنفذين في الأمر يؤكد أنَّ هناك تيارًا بعيدًا كل البعد عن حب الوطن والمواطن، لا يهمهم إلا مصالحهم الذاتية، ولا يسعون إلا لأنانيّتهم المفرطة حد الغلو مهما كانت النتيجة ومهما كان الثمن، فلا يريدون أن توجد في هذا الوطن العزيز الآمن هيئة أو مؤسسة تمنع جشعهم وأطماعهم، أو توقف تجاوزاتهم وحدودهم، وإنّما يريدون أن يظل الحبل على الغارب كما كان، يلعبون بسلامة الغذاء كيفما يريدون، ويمارسون الغش والاحتكار كيفما يشاءون، وما يتوقعه المواطن اليوم، أو يخشى حدوثه في المستقبل  هو غلبة  هذا التيار على مصلحة الوطن والمواطن.. والله المستعان.