المستحيل مجرد كلمة

فيصل الكندي

من الحقائق المهمة التي يجب أن يعلمها كل واحد منا أنه في عُمق كل واحد منا منجم عظيم من الذهب، وهذا المنجم لن يكتشفه أحد سوانا، فنحن من يقرر اكتشافه وإظهاره للعيان "إن أردنا ذلك"؛ إذ ليس هناك مستحيل في الحياة، فالله سبحانه وتعالى خلقنا ونحن نمتلك القدرات والإرادة والاختيار واتخاذ القرارات، فوضعك السيئ لا يعني النهاية، بل هو بداية التغيير، بشرط أن تمحو "المستحيل من قاموسك".

يقول المؤرخ البريطاني الشهير (Arnold Toynbee): "يعزو سبب زوال حضارات البشر قديماً وما يهدد الحضارة الغربية اليوم إلى الطبقية والحرب.. إن انعدام الطبقية في المجتمع الإسلامي كان واحداً من الإنجازات الأخلاقية بالغة الروعة للإسلام وفي عالمنا المعاصر توجد حاجة ملحة للإفادة من هذه الفضيلة الإسلامية".. حقا إنه شيء لا يصدق أن يقوم النبي -صلى الله عليه وسلم- خلال مسيرته الدعوية بتغيير المفاهيم السلبية في الجزيرة العربية وما حولها خلال فترة قصيرة جدا لم تتعدَّ 23 عاما؛ حيث استطاع خلالها أن يقضي على الشرك والطبقية والقبلية، وجعل الناس سواسية لا تفاضُل بينهم إلا بالتقوى.

من المصطلحات السلبية التي غُرِسَت في عقولنا منذ الصغر، وأصبحت شعارنا في كل مقام ومقال، مصطلح "مستحيل"، فأصبحنا نستخدمه عند مواجهتنا لأي شيء جديد علينا، حتى ولو كنا قادرين على مواجهته وتحديه؛ مما سبب لنا الفشل في الكثير من الخطط والبرامج، لكن لو استطعنا تمزيق هذه الكلمة ومسحها من قاموس حياتنا لاستطعنا عمل الكثير، واستخراج الكنوز التي تقبع في داخلنا، ولظهرت مواهبنا وعبقرياتنا، ولزاد إنتاجنا وعطاؤنا وإنجازاتنا ومبادراتنا.

اليابان تحولت بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية من قائمة الدول العظمى التي يُحسب لها ألف حساب، إلى قائمة أفقر الدول، وظن الجميع أن اليابان اختفت، وما بقي إلا مسحها من الخريطة، فماذا فعلت وهي في القاع؟! هل استسلمت للواقع ورضخت له؟ لا، وإنما قامت على قدميها وشجعت المواطنين على العمل الجماعي والإدارة السليمة، وشجعت المخترعين والمكتشفين، وقدمت لهم ما يلزمهم للتطوير، وركزت على التعليم لأنه مُقدَّس عندهم، ولأهميته في تطور الحضارات والارتقاء بالدول، وصرفت للمعلمين رواتب عالية، ووفرت لهم الضمان الصحي والاجتماعي، حتى لا ينشغلوا بهموم الحياة وشؤونها، ولم يقتصر النظام التعليمي للطفل خاصة على تطوير الكتب، لتحوي قدرا هائلا من المعرفة والعلوم فحسب، وإنما تعدى ذلك إلى دفع الطالب للابتكار والاختراع، وقام اليابانيون كذلك باستصلاح الأراضي المهدمة، واستغلالها في الأعمال الزراعية لتوفير الإنتاج الزراعي الكافي للبلاد، وأسهم هذا الأمر على اعتياد اليابانيين على الأعمال الشاقة والمتعبة من أجل الحصول على لقمة العيش؛ مما جعل منهم شعبا مثابرا ونشيطا ومنضبطا في وقته، ويحترم النظام، ومبدعا في عمله، كما يتميز بالصدق والأمانة وحسن المعاملة، واليوم تحتل اليابان المراكز الأولى؛ فهي أول منتج للحديد والصلب في العالم، وثالث أكبر قوة في تكرير البترول، وأول منتج للسيارات، وتسهم بـ40 بالمئة من الإنتاج العالمي للسفن، وتحتل المركز الأول في صناعة الرجل الآلي، وثاني أكبر منتج عالمي للفولاذ، والمركز الثاني في مجال الاتصالات.

لقد تحول المستحيل إلى شعار نردده ليلاً ونهاراً، بل ونغرسه في قلوب أبنائنا دون وعي منا؛ لسبب بسيط ألا وهو أننا لم نجرب ذلك الأمر، ولم نخض تجربته، ومن عجائب ما يُرْوَى أن طالبا في إحدى الجامعات جلس يستمع لمحاضرة، ثم نام ولم يستيقظ إلا وقد انتهى المدرس من محاضرته، ووجد على اللوحة مجموعة معادلات رياضية نقلها على دفتره ظناً منه أنها واجب منزلي، فجلس يومين يحاول حلها، فلم يوفق، وفي اليوم الثالث حلها، وأحضرها للمحاضر على أنها واجب منزلي، فرد المدرس بأنه لم يعطِ واجبا منزليا، وإنما هذه مجرد أمثلة للمسائل التي عَجَز العلماء عن حلها، ولكن الطالب قال بأنه توصل لحلها، فلما راجعتها لجنة الجامعة تأكدوا أن الحل صحيح، فلو لم يحاول هذا الطالب حل المسائل، وضغط على نفسه لأيام، واقتنع بكلام المحاضر بأنه يستحيل حلها، لما توصل للحل الصحيح، هكذا نحن نقتنع بما يُقال من حولنا، ولا نحاول ولا نجرب، بل نرتدي عباءة اليأس ونطفئ القنديل.

من الآن.. امسح المستحيل من قاموس حياتك، وواجه ما حولك من تحديات بالتجربة والمحاولة والإرادة القوية التي لا تصمد أمامها الأزمات، ولا تظن أن الناجحين أكثر منك علما وأرقى منزلة وأكثر مالا، إنما الفارق هو الإرادة والعزيمة والتخطيط السليم والمحاولة ثم المحاولة ثم المحاولة، فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، ويبقى المستحيل مجرد كلمة.