الموانئ العمانية.. الذهب الأسود

 

 

حمود بن علي الطوقي

 

 

عرفت السلطنة قديما بأنها سيدة البحار، حيث شيد العمانيون العديد من السفن الملاحية العملاقة التي جابوا بها العالم شرقا وغربا وكونت إمبراطورية كبيرة من جهة أخرى، وهو ما تحقق فعلا حتى وصلت حدود الإمبراطورية العمانية يوما ما إلى شرق إفريقيا وباكستان وبلاد الهند والسند. وكانت عمان سيدة البحار بلا منازع.

بهذه المقدمة الافتتاحية للمكرم حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية دشنت السلطنة اليوم مؤتمرا عالميا عن الموانئ العمانية بتنظيم من الجريدة التي تتبنى منذ خمس سنوات إعلام المبادرات.

المؤتمر ينعقد في مرحلة مهمة واقتصادنا يلامس التطلعات والمبادرات التي تساهم في رفد الاقتصاد ولا شك أنّ قطاع الموانئ واللوجيسي أحد أهم روافد الاقتصاد، وفي خضم أزمة النفط التي تلقي بظلالها – ولازالت – على بلادنا ومنطقة الخليج والعالم منذ العام 2014، حين بلغ سعر برميل النفط 120 دولارا إلى 60 دولارا أكثر أو أقل حاليا، يصبح التساؤل مشروعا ومطلوبا عن جدوى الخيارات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة أعباء تلك الأزمة العارضة التي يقدر الخبراء استمرارها من 5-7 سنوات.

أزمة النفط فرضت على الحكومات أن تلجأ إلى طرق إجرائية مثل ترشيد الإنفاق وتأجيل تنفيذ عدد من المشروعات وتشجيع الادخار وإلغاء الدعم تدريجيا عن النفط وفرض الضرائب وطرح سندات والتركيز على بدائل النفط مثل الصناعة والسياحة والثروة السمكية.

لقد أعادت أزمة النفط إلى الذاكرة الأمجاد البحرية العمانية ودور الموانىء العمانية في التواصل مع الشرق والغرب قديما، والحقيقة أنّ خيارات الحكومة لمواجهة أزمة النفط مهمة وأرى أنّ الموانئ قد تكون أحد أهم  بدائل النفط  ولا أرى الحاجة لفرض الضرائب  على المواطنين في الوقت الحاضر لتعزيز إيرادات الحكومة، وهذا التوجه قد يُحدث فجوة بين المواطنين والحكومة ولا يحقق عوائد حقيقية، والمهم هنا كما يؤكد العديد من خبراء الاقتصاد التركيز على قطاع اللوجستيات الذي يضم الموانىء والمطارات والنقل والمواصلات والاتصالات كقطاعات قادرة على توجيه البوصلة وقيادة القاطرة الاقتصادية دون الحاجة إلى فرض ضرائب على المواطن لا تسمن ولا تغني من جوع.

لقد حبا الله من فضله السلطنة بالعديد من الموانئ التي تؤهلها لعبور المستقبل، بحيث يمكن أن تصبح بديلا حقيقيا للنفط إن أحسن استغلالها وتطويرها، حيث تضم شبكة الموانئ العمانية سبعة موانئ هي ميناء السلطان قابوس في مسقط، وميناء صلالة بظفار، وميناء الدقم في محافظة الوسطى، وميناء صحار الصناعي بشمال الباطنة، وميناء شناص بشمال الباطنة أيضاً، وميناء خصب بمسندم، ومرفأ مشنة ومصيرة.. ومنذ العام 2011 قررت الحكومة استثمار موقع السلطنة الاستراتيجي، وقربها من مسارات الملاحة العالمية، وإشرافها على مضيق هرمز ووقوعها على بحر عمان والخليج العربي، لتنويع مصادر الدخل الوطني، عبر إنشاء صناعات وخدمات لوجستية قرب الموانئ التي تغطي كامل الرقعة الجغرافية للسلطنة، وربطها عن طريق المطارات والسكك الحديدية وخط الباطنة الساحلي. يساعد على التفاؤل بشأن مستقبل الموانئ العمانية. إنّ السلطنة تضخ سنوياً المليارات من أجل تهيئة البنية الأساسية لقطاع الموانئ في كل من صحار والدقم وصلالة وغيرها، ويتم تطوير ميناء صحار للوصول به للمعايير العالمية.

في تقديري أنّ تطوير الموانىء العمانية لن يتحقق إلا بتيسير وتسهيل خدمات القطاع الخاص ورواد الأعمال والتغلب على البيروقراطية وفتح الاستثمارات الأجنبية الجادة، لتكون السلطنة محطة مهمة لجذب القنوات الاستثمارية التي تشكل قيمة مضافة لمستقبل عمان الاقتصادي، كما يتطلب تبسيط الإجراءات لاستلام وشحن البضائع، ويجب أن يتم ذلك آليا وفي مدة وجيزة كما تفعل العديد من الموانىء العالمية؛ أما جعل مهمة تخليص أو شحن بضاعة رحلة عذاب يومية تمتد إلى مدة الشهر فهذا حرث في البحر، أيضا يجب ألا تقتصر مهمة الموانىء على استقبال السائحين أو شحن واستلام البضائع فقط، فتلك مهمة تقليدية وليس فيها جديد، المهم هنا أن تُقدم الموانىء العُمانية نفس خدمات الموانىء العالمية الكبرى مثل الشحن والقطر والسحب والتفريغ والمناولة أي كل ما يشمل النقل البحري.

ويبقى السؤال: متى تصبح موانىء السلطنة مع بقية القطاع اللوجستي كالمطارات والنقل والاتصالات المحرك الرئيسي للاقتصاد العماني، خصوصا أنّ هناك جزرا ودولا تعتمد اعتمادا شبه كامل على الموانىء مثل هونج كونج وسنغافورة؟ ونحن لدينا بحمد الله وفضله أكثر من ميناء ونعتبر مفتاح منطقة الخليج العربي والعالم أجمع.