عيسى بن علي الرواحي
كثر الحديث عن بطولة كأس الخليج العربي، وفوز المنتخب الوطني بهذا اللقب في نسخته الثالثة والعشرين، وقد تصدّر هذا الموضوع أحاديث الأخبار والصحف والمجالس وشتى وسائل التواصل الحديثة، ولم يكن الحديث عن هذا الإنجاز الرياضي مقصورًا على الرياضيين فحسب، فكُتاب السياسة والاقتصاد والتربية كان لهم وقفات مع هذا الحدث ليس لأنّهم يخوضون فيما لا يفقهون؛ وإنَّما لإيمانهم بأنّ هذا الحدث الرياضي يعتبر إنجازًا وطنيًا قبل أن يكون رياضيًا، ولتأثير الرياضة في مناحي الحياة المختلفة، وللاستفادة من مثل هذه الأحداث وتوظيفها في المجالات الأخرى، ورغم أنَّي لا أفقه في الرياضة شيئا، كما أنني لست من هواتها، فإنني أحببت أن أقف مع القراء الكرام هذه الوقفات الموجزات:
** الوطن غالٍ في قلوب أبنائه، غلاؤه لا يُقدر بثمن، ولا يتغير حبه مدى الزمن، وعندما يتعلق الأمر بالوطن فالكل يهون لأجله، وكلنا فداؤه ورهن إشارته. هكذا ينبغي بل يجب أن يكون كل مُحبٍ لوطنه، وهذا ما اتضح جليا من حب أبناء الوطن لوطنهم في بطولة كأس الخليج، وكم جميل ورائع وواجب أن يتجسد حبنا لوطننا بتلك الصورة الرائعة في كل المحافل، وفي سائر المناسبات والأوقات.
** إذا كان لا محالة عند كثير منا من متابعة الرياضة في مثل هذه المناسبات التي تمثل فيها المنتخبات أوطانها، فليكن اﻷمر بوسطية واعتدال؛ إذ لا ينبغي أن تكون الشغل الشاغل للمرء، ولا ينبغي أن يرتكب من خلالها محظورًا، ولا ينبغي أن يهدر أوقاته الثمينة أو تشغله عمّا هو أهم عنها، أو تأخذ بفكره وعقله حتى يصبح غير قادر على التفكير والتركيز في واجباته وأعماله بل فرائضه وعباداته، فلربما قصَّر المرء في حقوق ربه وأسرته ووطنه بذلك.
** ما أجمل أن تكون الرياضة وكل منافسة شريفة بعيدة عن المهاترات والأكاذيب والشائعات والسخرية من الآخرين والشماتة بهم! وما أجمل أن تكون الرياضة بعيدة عن أروقة السياسة! وأن يكون الإعلام قدوةً للشعوب في الاتزان والوسطية والرقي والمثالية في التعامل، والمصداقية في نقل الخبر، والتعاطي الإيجابي مع الأحداث، وهكذا كان إعلامنا المحلي ـ ولله الحمد ـ كعادته متزنا معتدلا بعيدًا عن السقطات والترهات ليس كحال إعلام بعض الدول، وقد تمنيت أن يكون أبناء وطننا بذات الدرجة في المثالية والرقي في استخدامهم وسائل التواصل الحديثة فترة هذه البطولة؛ إذ لم يسلم كثيرٌ منهم من الخوض في الشائعات، وتبادل المهاترات، وتناقل السخريات.
** لا يختلف اثنان على ما حققه حارس المنتخب الوطني من دور كبير في تحقيق لقب بطولة كأس الخليج؛ نال على إثرها سمعة طيبة وشهرة مطبقة في عالم الرياضة الخليجية، ولم يأتِ هذا من فراغ، وهذه هي سنة الحياة الدنيا "لكل مجتهد فيها نصيب".
لقد استمعت عبر وسائل الإعلام إلى هذا الحارس أكثر من مرة عقب المباريات التي يخوضها، فشدَّني حديثه وأعجبني كلامه وأسلوبه، فقد كان يبدي تواضعًا فيما يؤديه من أدوار كبيرة في المباراة، وكان يربط كل ذلك بتوفيق الله تعالى أولا وأخيرًا، فإنْ حقق فوزًا بدأ حديثه شكرًا لله، ونسبه إلى توفيق الله. وإن سُئل عن مباراة مرتقبة رهنَ فوزه بمشيئة الله وتوفيقه، ثم بجهد زملائه وجهده.
وفي حقيقة الأمر فقد لمست مثل الحديث الراقي عند غيره كذلك من اللاعبين أو الإداريين الرياضيين، وهكذا ينبغي أن يكون المرء في كل ما يحققه من عملٍ أو إنجاز بأن ينسب ذلك إلى توفيق الله تعالى وحده، وأن يعقبه بالشكر والحمد، مبتعدًا عن " الأنا" السلبية والغرور والتعالي.
** حفاوة كبيرة واستقبال شعبي رائع ودعم حكومي وأهلي وتغطية إعلامية واسعة نالها أعضاء الجهاز الفني والإداري للمنتخب بعد عودتهم إلى الوطن حاملين معهم كأس البطولة، وكم جميلٌ أيضًا بل واجبٌ في نظري أن تحظى الإنجازات الأخرى بمثل هذا الدعم والتغطية والإعلامية وحفاوة الاستقبال، فليست الإنجازات مقصورة على الرياضة فحسب، فما أكثر ما نسمع عن إنجازات متوالية في المجالات الفكرية والأدبية والعلمية وبراءات الاختراع والابتكارات لأبناء هذا الوطن العزيز! هؤلاء أيضًا بحاجة إلى دعم وتعزيز وإشادة تليق بإنجازاتهم وعطاءاتهم، لا مجرد أحاديث عابرة ودعم خجول..
والله المستعان..