د. سيف بن ناصر المعمري
لم تكن كأس الخليج الثالثة والعشرين كقمة دول مجلس التعاون لدول الخليج في دورتها الثامنة والثلاثين على الرغم من أنّ الفارق بينهما كان أقل من شهر، فالسياسة ليست كالرياضة، حيث بددت القمة بصيص الأمل الذي حملته الشعوب الخليجية من أجل إنهاء أصعب مرحلة يمر بها الخليج طوال تاريخه، لم يبق في الذاكرة إلا صورة أمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد وهو يعلن إنهاء القمة في وقت أقصر من الوقت الذي كان محددا لها، ختمها بدعوة الجميع إلى الحرص على الخليج وعلى الأمل في الغد، فهل كان إصرار الكويت على تنظيم بطولة كأس الخليج هو محاولة أخرى لتوسيع مساحات الأمل لدى الشعوب الخليجية التي تعد الضحية الأولى لما جرى من صدامات سياسية؟ هذا السؤال تعيد طرحه مريم الخاطر بصيغة أخرى في مقالة لها نشرت بجريدة العربي الجديد في 27 ديسمبر 2017، حيث تطرحه كالتالي: هل تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة؟
لا شك أنّ هذا الوقت هو الأنسب للتفكير في هذا السؤال، ولإجابة ما إذا كانت الرياضة وما تحمله من قيم سامية للتقريب بين الشعوب، وللإعلاء من قيم التنافس الشريف، ولتحقيق التماسك الاجتماعي، قد عملت على إعادة بناء الجبهة الشعبية المضادة لما جرى في الساحة السياسية من غليان قاد إلى انقسام في البيت الخليجي، حيث لم تعد الأسرة الخليجية هي نفسها قبل عقد من الزمان، ولم ينتبه الأحفاد والأبناء للحرص على الدعائم التي وضعها الآباء والأجداد للبيت الخليجي، وللإرث الثقافي المشترك الذي يحمله الجميع، ولأهميّة الروابط التاريخية الطويلة التي تجمعهم، هذه البطولة بعثت برسالة شعبية خليجية موحدة إلى القادة الخليجيين من أرض الإنسانية الكويت، رسالة لم تكن رياضيّة إنّما أيضا ثقافية عنوانها بُلور في الأوبريت الذي قُدّم في حفل الافتتاح بعنوان "خليجنا إلى الأبد"، وما أعمق هذه الرسالة التي خرجت بعد أقل من شهر من عدم نجاح قمة دول الخليج لدول الخليج العربي، إنّها تصر بالتأكيد على الانتماء الواحد، وكيف يمكن الحفاظ عليه سياسيًا ورياضيًا وثقافيًا، الخليج الذي يجب أن يشعر فيه كل مواطن أنّه لا يخرج من وطنه إلا ليدخل في وطنه، فجميع البلدان الخليجية هي وطن واحد لكل هذه الشعوب التي التقت على أرض الكويت من أجل الاستمتاع بكرة القدم التي تحبها كما لا تحب شيئًا آخر، تمازج الفن والرياضة كأداتين لتذويب ما جرى خلال الأشهر الماضية، وكان للجمهور العماني دور كبير في تعزيز هذه الرسالة حيث جعلوا من الكويت مسرحا لبث رسائل المحبة والسلام والإخاء طوال أيام البطولة، وجسّدوا من خلال ذلك الرسالة التي تحملها عمان دائما للأشقاء والعالم بأهميّة التسامح وتعزيز مشاعر الإخاء والتسامي فوق كل الخلافات.
إنّ الرياضة نجحت إلى حد ما في إصلاح ما أفسدته السياسة، وعملت على إنعاش الجبهة الشعبية الصامتة في الخليج المضادة لما يجري، والذي يدرك الجميع أنه لن يكون لصالح أحد كان، وقد يكون الهاشتاق الذي أطلقه الشيخ محمد بن راشد قبل مباراة منتخبنا الوطني والإمارات بعنوان "الفوز واحد" خير معبر لما يجب أن يكون فيه الوضع بين دول الخليج وشعوبه، نعم خرج جميع الخليجيين فائزين من نجاح عقد هذه البطولة وخروجها بدون أيّة صدامات وحساسيات تنبأ بها البعض، وهو شعار يجب أن يرفع في الفترة القادمة من أجل إنهاء الوضع الراهن، فالكل فائز من حالة الالتحام والوحدة والكل خاسر من الانقسام والفرقة، والفوز الذي يمكن أن يحرزه طرف على آخر في ميدان السياسة ليس فوزا كما يتصور البعض إنما هو خسارة كبيرة لعشرات المكاسب التي حصدتها حكومات المنطقة وشعوبها، ولا يجب التفريط فيها في هذا الزمن الصعب، الذي تتربص بالخليج فيه العديد من التحديات الضخمة.
ما أجمل أن تلتقي السياسة والرياضة على نفس المبدأ في الخليج، حيث الفوز واحد للجميع، وتعي أنّ الخليج هو جسد واحد إذا اشتكى منه جزء تداعت له بقيّة الأماكن بالسهر والحمى، وأن تستجيب لهذه المشاعر والنداءات التي خرجت من الجماهير خلال هذه البطولة والتي تدعو إلى بقاء الخليجيين خليجيين إلى الأبد، وسوف يذكر التاريخ للكويت وأميرها الشيخ صباح هذا الجهد الكبير لبث روح المحبة بين الشعوب الخليجية، ولتبني أي مسار سواء كان رياضيا أم سياسيا أم ثقافيا من أجل تعزيز التماسك بين أبناء الخليج، والحفاظ على الشعور بالانتماء لفكرة مجلس التعاون لدول الخليج وغيرها من المبادرات المشتركة التي تعوّد عليها أبناء الخليج.
إنّه الوقت الذي لابد أن ينصت فيه قادة هذه المنطقة لما تقوله الجبهة المضادة لما يجري، وما تقوله هو ما سيحقق الشعار الذي رفعه الشيخ محمد بن راشد وهو الفوز للجميع، وما أجمل أن يكون الجميع فائزين في منطقة تجمعها روابط الدم والتاريخ والمصير المشترك.