إشراقة عام جديد

عبدالله العجمي

ها قد انصرم عام وأتى آخر، وما بين الوداع والاستقبال حكايات لا تُحكى، لما تتضمنه من آلام وانتكاسات من جانب، وتطلّعات وآمال من جانب آخر. يراودنا حُلمٌ بغدٍ أجمل يسود فيه السلام ويتغلّب فيه الخير على كل مكامن الشر في هذا العالم، وإن الإنجاز الحقيقي الذي يحقّ للمرء أن يُفاخر به هو عندما يجعل الفرد من حياته حياةً تفيض بالخير والسلام، بأن يجعل من حاضره صفحة مشرقة ترفد فيها الحياة بكل ما يُعلي من شأنها، مقابل كل جهل وتخلّف وعصبية يمكن أن تهبط بالإنسان إلى القاع، وتحيده عن فطرته التي فطره الله عليها، تقوده مسؤوليته المجتمعية والذاتية.

إن انقضاء عامٍ وقدوم آخر ليس مناسبة لإقامة احتفال هنا أو هناك، مبتعدين عن كل المفاهيم العميقة والدقيقة لمسؤولياتنا تجاه مجتمعنا وأنفسنا وحياتنا، إنها مناسبة لتكون وعاءً للقادم وسجلاً للماضي في نفس الوقت، والذي سيقودنا إلى استشراف المستقبل كذلك، المستقبل الذي نسعى لأن يلامس تطلعات مجتمعاتنا.

ومع بداية كل عام، لا توجد مؤسسة مالية في عالمنا هذا إلا وهي تعيش خلال هذه الأيام حالة من حالات الطوارئ بسبب انقضاء سنة وقدوم أخرى، وهي حالة ضرورية في كافة المؤسسات والهيئات والوزارات.. الهدف منها هو احتساب أرباحها وجرد إيراداتها وتقييم خسارتها خلال العام المنصرم، ثم البدء في التخطيط لموازنة العام القادم، وما صدور مراسيم الاعتماد والتصديق على الموازنات العامة للدول إلا أبلغ مثال على ذلك. ونلاحظ أن هذه الشركات -الكبرى منها خاصة- لا يكون تركيزها منصبّاً على الأرباح المالية فقط، بل تضع نصب عينيها تطوير خدماتها وتوسعة أنشطتها والسعي لزيادة رصيد مصداقيتها.

يقودنا كل ذلك إلى التفكير في أن مضيّ سنة من أعمارنا، معناه أننا عشنا فصلاً من فصول عمرنا بأتراحه وأفراحه، بإنجازاته وإخفاقاته، متحملين مسؤوليته وحدنا، مُدركين أن ما قمنا به طوال السنة لا بد وأن نرى انعكاساته وآثاره سلباً وإيجاباً على مستقبلنا، المستقبل الذي يُفترض أن يكون مُخطّط له سلفاً.

السؤال المحوريّ هو: هل لدى أحدنا خطة لعامه القادم؟ وما هي تطلعاته بها؟ وهل جلس أحدنا يتأمل ما فوّته من فرص خلال عامه المنصرم؟ وهل هو قادر على تلافي السلبيات بتخفيفها والإيجابيات بتكثيفها؟ هل من مخططات للتطوير على جميع المستويات؟ الاجتماعية والثقافية والاقتصادية؟ مهما كان الجواب فإن مسألة انصرام سنة وقدوم أخرى لهي خطوة جدير بالوقوف عندها.. إذ لا يُعقل أن نعيش هذا العمر دونما تأمّل وتدبّر وتخطيط.

أعود وأقول إن هذه السنوات أمانة في أعناقنا لا بد من استغلال كل لحظاتها لنشر الخير والسعي إلى تطوير أنفسنا ومجتمعاتنا، ورفع مستوى وعينا بالتصدي لكافة أشكال التجهيل والرجعية.

فنحاول أن نجعل من عامنا هذا عاماً ننزع من صدورنا كل غلٍّ تجاه الغير، وذلك بتطهير المشاعر من البغضاء، وتصفية القلوب من العصبيات، وتحريك العقول في كل ما يعلي من شأننا، نعالج أوضاعنا بالحكمة والمسؤولية، كي تنقضي هذه السنة وقد سجّلت لنا تاريخا مشرفاً يمكنه التأصيل لوجودنا على هذه الأرض، وإن القانون الكوني للتغيير منوط بنا إذ يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز: "إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد:11).