صحافة الأطفال إلى أين؟ (1 -2)

د.عامر بن محمد بن عامر العيسري – سلطنة عُمان

 

لقد أصبحت لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها ومشاربها أهمية كبيرة في هذا العصر لما لها من يد طولى في تشييد ثقافة المجتمعات وفكرها أو هدمها، فهي سلاح ذو حدين وربما كان الهدم بارزا في الفترة الأخيرة لمعظم وسائل الإعلام من خلال ما تنقله من أفكار سلبية وغريبة على المجتمعات مع ما تتسم به من سرعة التداول خصوصا الوسائل المنتشرة الكترونيا من خلال الشبكة المعلوماتية، وخصوصاً السمعية البصرية، لذا فإننا ينبغي أن نثمن رأي القائلين بأنّ الإعلام أضحى بإمكانياته الحديثة والمتطورة مؤثرا فعالا في حياة المجتمعات بفاعليّة مذهـلة، فقد بات مصدرا أساسياً، يقدّم أفكاراً ويشكل معتقدات وقيماً ويؤسس معايير وأنماط سلوك واتّجاهات ومواقف حياة قد تقلب الموازين في حياة الشعوب وتعاملاتهم فيما بينهم. وتجاهل دور الإعلام الخطير في حد ذاته يعد تجاهلا للواقع، وربما يؤدي ذلك إلى إيجاد فئات متفاوتة ومتعددة من البشر في الفكر والسلوك.
إن الطفولة شريحة واسعة لا يستهان بها في المجتمعات ومرحلة أساسية وفاصلة في حياة الانسان حيث تتشكل فيها المعالم الأولى لشخصية الإنسان بما يتلقاه الطفل من قيم واتجاهات وهو يخطو في سنوات تنشئته خطواته الأولى نحو الحياة لدخول عالم التسلح بالعلم والمعرفة والمهارة التي تؤهله ليكون عضوا فاعلا في بيئته ومجتمعه، والإيمان بدور الإعلام البنَّاء في التأثير المهم في تأسيس الطفولة وتوجيهها لصالح مستقبل باهر يفرضُ الاهتمام بتطور وسائل إعلام الطفل، من خلال الاستفادة من كل التجارب الجادة والفاعلة بما يعين على الارتقاء والنهوض بثقافة الأطفال. فالاهتمام بالطفل وتنميته من أهم وأبرز الأمور المعنّي بها على جميع المستويات اجتماعياً، تربوياً، وسلوكياً ونفسياً. ومن هنا تبرز الكتابة الموجهة للطفل، كعامل فاعل للمساعدة في تكوين شخصية الطفل بشكل سليم، حيث يعّول على هذا الأمر الكثير من التربويين والإعلاميين والكتاب الذين يخصصون من مدادهم نصيبا وافرا للأطفال بموضوعات تناسب ميولهم وتستشعر رغباتهم وقدراتهم وتصقل مهاراتهم.  

وقد تحدثت كثير من الدارسات عن الخطر الذي يواجه الأطفال في هذا العصر من محاولات التغريب من خلال ما تبثه لهم وسائل الإعلام المختلفة من ثقافات وأفكار لا تتواءم مع بيئتهم ومجتمعهم، وأدركوا اتساع دائرة الخطر مؤخرا لأنّ الطفل أضحى من أهم أهداف وسائل الأعلام، لأنه أكثر مفاصل المجتمع ضعفا واستعداداً لاستقبال ما يعرض عليه، ومن هنا ندرك أهميّة وسائل الإعلام وخطورة تأثيرها على الأطفال، وضرورة إيجاد إعلام صديق للطفل كوسيط مهم وبنّاء، يثقّفه ويرقّي مداركه، ويشكّل شخصيته المستقبلية الفاعلة كما ينبغي أن تكون، حيث تلعب وسائل الإعلام وخاصة صحافة الأطفال دوراً كبيراً في تكوين ثقافة الطفل، فإذا كانت الأسرة تسهم في إمدادهم بالمعارف والمهارات والاتجاهات والقيم التي تعبر عن المجتمع الذي يعيشون فيه بعد أن تقوم بتحويلها إلى أساليب عملية للتنشئة الاجتماعية فإن وسائل الاتصال تعتبر امتدادا لدور الأسرة في التنشئة الاجتماعية فهي منبع مهم من منابع التنشئة والتثقيف، وفي السياق ذاته تأتي مجلات الأطفال كفرع مهم من الكتابة الموجهة للطفل، والتي من خلالها يبدأ الطفل تفاعله الأولي مع محيطه، وفيها يستدعي حواسه جميعاً للتواصل مع الرسالة الموجودة في تلك المجلة.
ومجلات الأطفال هي تلك المجلات المكتوبة والموجهة بشكل مقصود من الكبار إلى الأطفال وتمثل أول لقاء للطفل مع الكتابة الأدبية والفنون والعلوم , فيمكنها أن تلعب دوراً مهماً في تقديم بوادر الخبرات للقراءة والتذوق الفني والجمالي له، كما أنها أداة مهمة من أدوات التثقيف والإمتاع التي يمكن أن تسهم إسهاما فعالا في تفتيح عقل الطفل الصغير على الدنيا وتنمية الميول القرائية لديه، ومحتوى مجلة الأطفال غالبا يتنوع بين المقالات القصيرة التي تناسب هذه المرحلة العمرية، وكذلك القصص والنصوص الأدبية السردية والأناشيد المزوّدة برسومات وصور جميلة وألوان جذابة، ويمكن أن تتضمن التحقيقات والاستطلاعات الصحفية البسيطة المصحوبة بقدر كبير من الصور المعبرة، وتتزين المجلة أيضا بصور الأطفال وأسمائهم وأعمارهم وعناوينهم وهواياتهم وإبداعاتهم، وبعض المسابقات والألعاب كالمتاهات والكلمات المتقاطعة والألعاب الحسابية، أما العمود الفقري في مجلات الأطفال الذي يحتل أكبر جزء من مساحتها فهو القصص المصورة مع تحويل القصة السردية إلى شريط متسلسل مرسوم وفق سيناريو وحوار محددين يتولاهما في الغالب مختص غير المؤلف والرسام.
ومن هنا تعد مجلة الأطفال بمثابة حديقتهم وبيئتهم التي يتعايشون معها لذا ينبغي أن تتسم بخصائص مجلة الطفل التي تحث الأطفال الصغار لاقتنائها ومطالعتها وأن تكون متخصصة في معارفهم وأدبهم وثقافتهم وتتبنى كتابات الأطفال وتستقبل رسائلهم وتنشر إنتاجهم وصورهم، وأن تعمل بمحتواها على صقل مواهبهم وتنمية قدراتهم، فهي تنقل أخبارهم ونشاطاتهم، وتساير قدراتهم العقلية وتتفهم نفسياتهم ، تعتمد على الرسم والصورة إضافة للكلمة المكتوبة باعتبارها وسيطا محببا لنقل المعرفة، كم أنها ترعى هواياتهم وتمنحهم فرصة تنميتها، وتوفر لهم القدوات الأبطال حيث يقلدونهم لا شعوريا، وتقدم لهم تاريخ الأمة وأحداثها للطفل من خلال مواد قصصية محببة ، وتشجعهم على القراءة وتدعم قدراتهم التعليمية، وتقدم لهم جرعات مناسبة من العلوم والمعارف والثقافات المفيدة، وتعد مجلة الطفل وسيلة مناسبة لزيادة حصيلة الطفل اللغوية وتنمية مهاراته القرائية ، ووسيلة مناسبة لزيادة حصيلة الطفل الثقافية والعلمية، تعلم مفاهيم تربوية وسلوكية وتؤثر في عاطفة الطفل ونموه النفسي وعلاقته بالمجتمع بشكل بالغ ، وتعرفه على المجتمع والبيئة المحيطة به، وتكسبه خبرات جديدة في الحياة، وتنمي قدراته العقلية ومستوى الذكاء لديه، وتنمي الذوق الجمالي لديه، وتشغل وقته بما يفيد، وتمنحه قدرا من السرور والمتعة.
ولا تتـوقف مجلة الطفل عند الموضوعات والفنون والخصائص التي ذكرناها، حيث يبقى التطوير متاحاً، والتجديد مباحاً، وكل مضامينها تصب في خدمة الهدف العام، الذي تصبو إلى تحقيقه، وهي التي تسعى إلى تحقيق متعة الإعلام الهادف، الذي يرقى بالطفل شيئاً فشيئاً إلى حد التمام والكمال، بالتعاون مع جميع الوسائل التربوية في المجتمع.

والإخراج في مجلات الأطفال لابد أن يتساوق مع الموضوعات بل لابد من التوأمة والتفاهم بين الرسام وكاتب القصة كي تصل في النهاية للطفل بصيغة شيقة جميلة ومرغوبة ، وتعتبر الرسوم نقطة الارتكاز في إخراج وتصميم مجلات الأطفال فالمجلة التي تفتقد هذا العنصر أو يندر فيها لا تجد قبولا من الأطفال لأن الرسوم جزء من التعبير الموضوعي بل هي تتجاوز عملية الإخراج أحيانا فالرسوم والصور تربي الذوق الفني عند الطفل وتعطي القصص بعدا وجدانيا وتنقل الطفل من عالم الفكرة إلى عالم الواقع الحي وكلما كانت الرسوم إبداعية كثيرة كلما أقبل الأطفال على المجلة ووجود الرسوم لا يعني خلو المجلة أو قصورها في المادة المكتوبة بل لابد من التوازن بين الأمرين كي تؤدي الرسوم دورها الإيجابي تجاه الطفل لذلك تنجح القصص المصورة في أحيان كثيرة في جذب الأطفال قبل أن يتعلموا القراءة ويستوعبوا الكثير من مضمونها من خلال الرسوم فقط ، وأخيرا فمجلة الطفل لوحة فنية متكاملة ينبغي أن تجذب الطفل لاقتنائها وإغفال هذا الجانب يضعف حيوية المجلة بل قد يتسبب في فشلها في الوصول للطفل وإقناعه بما تحويه من موضوعات شيقة ومفيدة.

تعليق عبر الفيس بوك