"مجلس التعاون" في زمن الأزمات

عوامل إنشاء المجلس (1- 8)

مرتضى بن حسن اللواتي

 

ما رُسّخ من الاجتماع الأخير للقمة الخليجية الأخير في الكويت أعطى انطباعاً بأنه ما عاد هذا المجلس مثلما كان من آمال وطموحات أهل المنطقة في مجال تطوره، إن لم يكن مرشحا لمزيد من الانحسار على الرغم من الجهود الكويتية الكبيرة لإنقاذه مدعومة بالجهود العُمانية. وما لم يحدث تطور جديد مفاجئ فإنّ مناسبة إنشاء مجلس دول التَّعاون الخليجي في 25 مايو 1981، سوف تمر مرور الكرام وسوف تختفي الاحتفالات الفولكلورية المتكررة حول إنجازاته على الورق، وبعد أن حدث ما حدث من خطوب لمسيرة المجلس ربما سوف نتذكر هذا البيت للمتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد// بما مضى أم بأمر فيك تجديد.

فجرّت الأزمة الأخيرة الخلافات الدفينة وظهرت إلى العلن بشكل غير مسبوق فاجأت حتى أكثر الأشخاص العارفين ببواطن الأمور ورافقتها حملة إعلامية واسعة واتهامات مُتبادلة خطيرة كانت مخصصة إلى أشهر قليلة مضت لإيران وسوريا والعراق واليمن، كما تمَّ فرض حصار جوي وبري وبحري غير مسبوق على دولة عضو في المجلس واكتشفنا أن ما كان يُقال لنا سابقًا عن إنجازات المجلس عبر وسائل الإعلام كان وهما وقد تبدد وحلمًا وقد انسخط . وأظن أن كثيرين يتذكرون عدداً من الخلافات الخليجية التي كانت تظهر على السطح بين فترة وأخرى مثل تباين وجهات النظر حول الحصار القاتل على العراق منذ مطلع التسعينات وحادثة الخفوس الحدودي بين المملكة العربية السعودية وقطر والاتهامات المتبادلة حول ما أعلنته قطر عن تمويل وتشجيع محاولة لقلب النظام في قطر في عام ١٩٩٦ والخلافات حول العملة الخليجية الموحدة ومقر البنك الخليجي المركزي المقترح وتعيين الأمين العام لمجلس دول التعاون وتكرار الرفض المتراوح بين الخجول والصريح للانتقال من مرحلة التعاون غير المنجز والقفز إلى مرحلة الاتحاد الشامل من غير المرور بالمحطات الضرورية الموصلة إلى الاتحاد الشامل وانعدام التنسيق حول السياسات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والتباين حول ملفات إقليمية عديدة وصولاً إلى إعلان معالي يوسف بن علوي بن عبدالله عن اعتقاده بأنَّ دول مجلس دول التعاون "غير مؤهلة لهذا النوع من التحول في الوقت الحاضر" .  

واليوم إذا أردنا أن ننظر إلى تجربة مجلس التعاون الخليجي وتقييم أدائه بعد مرور ٣٦ عاماً على إنشائه فلابد أن نجري مقارنة بين الوضع السائد عند إنشائه والوقت الراهن،، مقارنة بين مجموعة من المتغيرات الكبيرة في ثلاث مراحل أساسية، مرحلة الظروف السائدة وقت إنشاء المجلس والمرحلة التي مرَّت بها التجربة والمرحلة الحاضرة، والمتغيرات هي:

 

مجموعة متغيرات البيئة العربية ومتغيرات البيئة الإقليمية ومجموعة البيئة الدولية ومجموعة البيئة النفطية وبالتالي الاقتصادية. في مرحلة إنشائه تضافرت عدة عوامل تدفع جميعا نحو إنشاء مجلس التعاون. فمن المتغيرات العربية: 

أولا: انحسار المد القومي العربي الذي بدأ في الخمسينيات من القرن الماضي تمثله مصر وهي دولة لها ثقلها. واستهوت الفكرة القومية العابرة للطوائف كثيرين من الناس عبر امتداد الوطن العربي. 

ثانيا: ظهور العراق كقوة عربية صاعدة، ثم دخوله في حرب مع إيران دامت ثماني سنوات وما أفرزته من إعادة إنتاج الفتنة التاريخية الإسلامية القديمة التي أعيد توظيفها لإحداث قطيعة بين الحالة الإسلامية والحالة القومية. وتحمس أصحاب المصلحة في التوظيف فباعوا السلاح إلى الجانبين، وقدموا المعلومات هنا وهناك لكي تستمر الحرب، وبحيث لا يخرج منها منتصر ومهزوم، وإنما يخرج طرفان كلاهما مهزوم.

ثالثا: اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وظهور ردود فعل غاضبة شكلا على أقل تقدير وابتعاد مصر عن محيطها العربي وما أعقب ذلك من سحب السفراء العرب من القاهرة ونقل مقر الجامعة العربية منها إلى تونس. 

رابعًا: إعادة تشكيل حركات الإسلام السياسي واتجاهها لمزيد من العنف وانقساماتها المتوالية إلى حركات أعنف. 

 خامسا: دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان والمحاولات الغربية لاستنزاف الاتحاد السوفيتي وغرس الخنجر في ظهره وبداية مقاومته ونشوء حركة القاعدة وحركات الإسلام السياسي المختلفة. ولعل "مكسب العرب" الوحيد إذا جاز وصفه بالمكسب آن آلافا من الشباب العرب أرسلوا إليها جنودا للإسلام مقاتلين، ثم عادوا منها ليقفوا أمام المحاكم العسكرية في أوطانهم أرهابيين. وتداعيات ما حدث تحتدم إلى الآنإضافة إلى وجود خطر شيوعي في جنوب الجزيرة العربية.

سادسا: الإطاحة بنظام الشاه في إيران وسيطرة الجناح الديني على السلطة وردود الفعل الواسعة حول ذلك التي ولدّتَ لدى تيارات إسلامية أخرى، سنية وشيعية تصوراً بإمكانية تكرار مشابه لما فعله الخميني في إيران، وتخّوف الحكومات العربية والعالمية في نفس الوقت من نجاح حركات إسلامية وقدرتها على السيطرة على بلدان أخرى في المنطقة، ونشوء دول أو جمهوريات "إسلامية" خارج نطاق السيطرة. 

سابعا : احتلال الحرم المكي وتسببه بسفك الدماء في ساحة الحرم المكي في عام 1979 من قبل جهيمان العتيبي وأنصاره وزعمه أنه قام بالعمل نصرة للمهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطًا وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً والدعوة إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني، خليفة للمسلمين، وإماماً لهم بصفته المهدي المنتظر. وما أعقب ذلك من تداعيات على السعودية وما أنتجته من التشدد الديني وتوسعه، وهي الحادثة التي أشار إليها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عندما صرح بأن هدفه هو إرجاع الإسلام المعتدل إلى ما كان عليه قبل أحداث ١٩٧٩. 

ثامنا: الارتفاعات المستمرة في أسعار النفط بعد حرب عام ١٩٧٣ وما شكلته من تدفق أموال خيالية للخزائن الخليجية. 

تاسعا: بداية الحرب العراقية الإيرانية وقيام معظم دول الخليج بالوقوف إلى جانب العراق ومساعدته ماليًا.

عاشرا: نهاية الحرب وخروج العراق مرهقاً مالياً بعد انتهائها وتوقف المساعدات الخليجية عنه في الوقت الذي كان بحاجة أكبر لها، دفع العراق إلى عملية غزو الكويت بدعوى وحدة التراب العراقي. وكانت العملية خطأ في كل القواعد، ابتداءً من قواعد العرف القومي وضوابطه التي تفرضها أسباب التاريخ القريب وتجاربه، وانتهاءً بقواعد الحساب الدولي ومنافعه التي ترسم خطوطها على الرمال. وبصرف النظر عن كل الأخطاء التي وقعت ورافقت الغزو فإنَّ أجواءه أحدثت إنفلاقا في الكيان العربي الذي كان متصدعاً أصلاً قبل ذلك. والأسوأ أن حلا عربيا وخليجيا كان ممكنًا لهذه الأخطاء في الحسابات والمضاعفات، ولكن هذا الحل الممكن تحوّل إلى مستحيل لأن القوى المسيطرة كانت لديها أولوياتها وطلباتها ومن ضمنها تدمير العراق وليس تحرير الكويت فقط. وكانت تصفية القوة العراقية مطلبا إسرائيليا بالدرجة الأولى، ومن سوء الحظ أنه تحول لمطلب عربي وخليجي تحديداً. والحرب لتحرير الكويت وتدمير العراق أنشأت في الواقع تحالفا على الأرض بين العرب وإسرائيل نما مع مرور السنين.

الحادي عشر: ولادة إحساس لدى دول الخليج بضرورة حماية نفسها واعتقادها بأن المال المتدفق على خزائنها سوف يجلب الاستقرار والتقدم والرقي من دون معرفة لشروط التقدم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي وكانت النتيجة أنه حتى على مستوى الأداء الداخلي لم تتمكن معظم الدول الخليجية من إحراز تقدم حقيقي على جبهات عديدة.

الثاني عشر: "الحرب الأهلية" في لبنان وتباين المواقف منها، ولَم تكن تلك الحرب أهلية فقط. وإنما كانت حربا عربية-عربية، وعربية -دولية، وقعت على أرض لبنان، واقتصت ضرائبه من أرواح وثروات شعبه وما تبعها من اجتياح إسرائلي سافر وبداية ظهور ونمو قوة حزب الله ودخول إيران على الخط مباشرة عن طريق تقديم الدعم للحزب والحركات الإسلامية الأخرى، السنية منها والشيعية وما تبع ذلك من انسحاب الفصائل الفلسطينية من لبنان ونزول القوات الأمريكية والفرنسية واضطرارها للانسحاب بعد تكبدها خسائر كبيرة في الأرواح.

appleorangeali@gmail.com