مدرين المكتومية
حين تثقلنا الحياة بهمومها ومصائبها المتزاحمة يُهيأ لنا أننا غير قادرين على الاستمرار وربما يُخالجنا إحساس بأنَّ كل من حولنا أعداء ويفتقدون للإنسانية، بل ونتصورهم يلهثون وراءنا، يتصيدون لنا الأخطاء ويفرحون عندما نتعثر، حتى وإن كان ذلك غير صحيح، فالأزمات النفسية التي قد يعيشها الإنسان تصور له الكثير من المواقف والأحداث على خلاف الحقيقة وتجعله يُحلل كل المواقف وفقاً لحالته النفسية.
والمؤكد أنَّ الحياة فيها الكثير من الأحداث التي قد تعترضنا بشكل مفاجئ وتبعثر كل شيء داخلنا، وقد نشعر أنَّ الزمن توقف وأننا غير قادرين على استكمال الطريق، وفي كثير من الأحيان تولد في دواخلنا رغبة في الرحيل والانزواء بعيدا عن كل الذين نعرفهم، خوفًا من إزعاجهم أو هربًا مما نحن فيه.
والحقيقة التي تغيب عنِّا إذا واجهتنا تلك الأزمات هي أن كل الأحداث التي تمر على حياة الفرد ما هي إلا ابتلاءات ومحن قدرية، تأتي إلينا تباعا أو على فترات لتصنع محطات الحياة التي نعيشها ولتسجل لنا المتغيرات، تلك الابتلاءات ماهي إلا لحظات انتقالية في حياتنا، نصبح بعدها أكثر نضجًا ومعرفة بما يدور من حولنا، ولو تذكرنا ذلك لأصبحت لدينا نظرة مُغايرة للأشياء ولأصبحنا أكثر جدية ودراية بمفترقات الحياة ولحظاتها الحتمية، كتقبل فكرة الموت والمرض، والرضا بالرزق والعمل، والتصالح مع النفس في المحن، كل ذلك يأتي إلينا بعد أن نُدرك معنى أن نمر بمحنة أو مأزق، والمعنى الحقيقي للخلاص منه.
لكن عندما ننسى ذلك وقت الأزمة نشعر أن كل شيء غير قابل للتغيير وأننا أكثر الأشخاص ابتلاءً، لكن الحقيقة أن كل شخص لديه من الابتلاءات ما يجعله يفكر ألف مرة في الأمر الذي اقترفه، ولماذا هو بالذات من يعيش تلك اللحظات...؟ لكن سرعان ما تتلاشى تلك الفكرة عند المثل القائل "لما تشوف مصيبة غيرك تهون عليك مصيبتك" لأنَّ الحقيقة التي لا يُدركها البعض أنهم مهما وجدوا من صعوبات فإن هناك غيرهم يعاني مما هو أصعب، وربما كان أكثر منهم إيماناً ورضا بما هو فيه، وهناك من يعيش ويموت وله أمنيات لم تتحقق إلا أنه كان يعيش على أمل تحقيقها.
وفي نفس الوقت هناك من الابتلاءات ما نختاره بأيدينا، فكثير من المنعطفات التي تمر على حياة الفرد نتاج تجارب خاضها فأوصلته إلى ما هو فيه، ولكن الكثير منِّا قد ينسى أن الخيار الأول في التجربة يعود إليه هو نفسه، فنحن من نختار المجازفة وعند أول عثرة نقف لنندب حظنا ونندم على ما قمنا به دون أن نلتقط الأنفاس ونفكر قليلاً لنعرف ماذا حدث ولماذا، وكيف كان خيارنا، وذلك ببساطة لأننا نكون وقت الاختيار متحمسين لخوض غمار تجربة دون التحسب لفشلها أو نجاحها فينتابنا الأسى بسببها، وفي كثير من الأحيان لا نعترف بأنَّ الحماس هو من قادنا لما نحن فيه، بل نحاول أن نرمي إحباطاتنا في الحياة على أسباب لا تمت لها بصلة، ولذلك يصبح فجأة كل من حولنا أعداء، ونعيش مأساة لا وجود لها من الأساس، صنعناها في مخيلتنا وأعطيناها المساحة لتأخذ من عافيتنا.
madreen@alroya.info