نحن وزوال الكيان الصهيوني

علي المعشني

صراعنا العربي مع كيان العدو الغاصب هو صراع وجود بامتياز وليس صراعَ حدود كما يتوهم البعض، أو كما يروج البعض الآخر؛ لهذا يستحيل القبول بصيغة سلام أو تطبيع مع كيان غاصب ومحتل، تحت أي ظرف أو ذريعة، فما بُني على باطل فهو لا محالة باطل.

التطبيع الذي يروج له، ويسوقه بعض النظام الرسمي العربي، اليوم، ليس له محل من الفهم أو الإعراب في قاموس السياسة ولا القانون الدولي، ولا الأعراف أو الأخلاق والقيم الإنسانية، حيث لم نسمع أو نقرأ في تاريخ البشرية من سلَّم أمره ومصيره لمحتل، أو من ادعى أن الاحتلال أمر طبيعي والتسليم به يعني الواقعية والاعتدال وعين العقل.

النظام الرسمي العربي لا ينكر أحدٌ عجزَه وشلله التام لمواجهة الضغوط والإملاءات الدولية؛ كونه نظامًا فاقدًا للمناعة السياسية والأمنية والعسكرية معًا، ومحكوما بالتبعية القهرية المُذلة في زمن الوهن والفرقة والشتات العربي، والحكمة تقتضي من هذا النظام اقتناص الظرف ومباركة الحراك الشعبي العربي، ليشكل هذا الحراك سياجًا للوطن وللنظم الرسمية ومواجهًا قوياً للمخططات الغربية التي لن ترحم شعبًا ولا وطنًا، ولا نظاما حين تحضر مصالحها.

نحن اليوم -ورغم كل الظروف ومظاهر الوهن- وصلنا مرحلة توازن الردع والرعب مع العدو وداعميه، بفضل المقاومة الشعبية التي أوجدها وهن النظام الرسمي العربي، وتقهقره غير المبرر طيلة عقود الاحتلال الصهيوني، فالمقاومة اليوم أصابت الكيان ورعاته بكل مظاهر عجز القوة الإستراتيجي، وأبطلت مفاعيل تغوله وسطوته وجبروته، حيث أصبح الكيان يترنح بين صواريخ المقاومة وكتابًا مفتوحًا بفعل الاختراقات الأمنية الإلكترونية والتقليدية، ولم يعد الكيان اليوم ذلك البعبع الذي لا يُقهر ولا اليد الأمنية الطولى التي تصل لكل هدف وضحية.

وللمزيد من الإيضاحات لهشاشة الكيان، ومن باب "اعرف عدوك"، علينا التأمل عميقًا في الآتي:

- الكيان الصهيوني يعيش حالة حرب واستنفار منذ تأسيسه عام 1948م، وهي حالة غير مسبوقة في التاريخ!

- كيان تتعاقب على قيادته رجال حرب وجاسوسية!

- جميع عقول مبدعيه هم من مهاجرين غير مؤسسين له، وأعداء لثقافة الحرب التي تسوده وتؤطر تفكير قادته.

- كل حرب يخوضها الكيان تتسبب في هجرات معاكسة منه، والذي يعاني أصلاً من خلل مرعب في الديموغرافيا والنمو والتركيبة السكانية.

- 23% من الصهاينة أبدوا استعدادهم للهجرة، إلى خارج الكيان، إذا تأكد لهم حيازة إيران لسلاح نووي، في استطلاع عام (2009).

- حرب غزة (2008م) أول حرب يخوضها الكيان داخل جغرافيته المزعومة؛ الأمر الذي حمل الكثير من نذر الشؤم وذعر لساكنيه ومغتصباتهم.

- الـ39 صاروخاً التي أطلقها العراق على الكيان الصهيوني عام 1991م، خلقت واقعاً عسكريًّا إستراتيجيًّا جديداً في الصراع العربي-الصهيوني، بدخول سلاح الصواريخ الفتاك إلى ساحة المعركة وباستهداف عمق العدو.

- مواجهات المقاومة الوطنية اللبنانية مع الكيان، والنيل منه في العمق، خاصة حرب يوليو 2006م، برهنت أن الكيان استبيح من قبل المقاومة، بفضل وصول سلاحها إلى أي نقطة فيه، واختراقها الاستخباراتي لأجهزته الأمنية والعسكرية رأسيا وأفقيا؛ الأمر الذي مكن المقاومة من استدراجه في مواجهة استباقية، وتفتيت حلقات مؤامرته قبل أن تكتمل، وفضحه وإشهار إفلاسه، في سابقة لم يعهدها العدو منذ قيام كيانه المزعوم.

- أغلب ساكني الكيان الصهيوني يحملون أكثر من جنسية، في دلالة جلية على عدم الاستقرار النفسي الذي يعيشه الكيان وساكنيه، وشعورهم بشعور المجرم الذي تؤرقه جريمته وتستقر في عمق نفسيته وتؤدي به إلى التشتت والقلق، وشعورهم بالزوال في أية لحظة، فيتعاملون مع كيانهم كشركة مؤقتة يهددها الإفلاس في أية لحظة.

- يتكون الكيان الصهيوني من 102 جنسية و81 لغة، وهرتزل لم يكن متديناً أصلاً. لذلك دعا إلى قيام دولة لليهود، وليس دولة يهودية، وقصد بذلك استيعابها لجميع أطياف اليهود، الطائفية والفكرية والجغرافية والثقافية والعرقية؛ لذا تكون الكيان من فسيفساء متنافرة لا تربطها سوى خيوط واهية من المصالح المادية المؤقته، وأكذوبة أرض الميعاد، وخطر الزوال، لوجوده وسط بحر من الكراهية والرفض!!

- الجندي الصهيوني الذي يخوض حرباً، يحال إلى الاحتياط لترميم نفسيته المحطمة؛ لهذا فعقيدتهم العسكرية لا تتحمل حروباً طويلة، أو حروبَ استنزاف، أو كثرة خسائر أو أسرى، وزادهم ارتباكاً وإحباطاً استهدافهم في العمق، ومن الداخل ( كحروب يوليو وغزة).

- كيان محاصر بالحروب والكراهية والاحتقار ممن حوله.

- كيان يؤمن أبناؤه بأنهم زائلون بالقوة الحقيقية وزائلون بالسلام الحقيقي كذلك، إفناءً أو تلاشياً أو ذوباناً. وهذا غيض من فيض لهذا الكيان المتفرد في كل شئ، وبخلاف ما دأب عليه البشر وتقبلته نواميس الحياة والتاريخ والمنطق.

- لو سألت أي صهيوني بداخل الكيان الغاصب، ومن أي شريحة كان، وأيًّا كان موقعه، عن فلسفة ومكونات ما يسمى بالحفاظ على أمن إسرائيل، لتلعثم طويلاً وتردد كثيراً، لأن ما يسمى بأمن إسرائيل هذا غير محدد لهم وغير مفهوم لهم كذلك بحدوده وكميته ومكوناته، فهو عنوان هلامي وغير معلوم المعالم أو الاشتراطات أو الجغرافية، فهم لا يعلمون هل أمن إسرائيل يتحقق بالسلام، أم بالاستسلام! أم بنزع السلاح من دول الطوق، أم بنزع سلاح العرب جميعهم، أم بإخلاء البلاد العربية من الأحجار والعصي وسكاكين المطابخ، أم بقتل الذكور من العرب، وبنزع أسنان النساء وتقليم أظافرهن بعد ذلك، أم.. وأم.. وأم.. أسئلة كبرى حائرة، لهذا الكيان المسخ، الذي يحمل في مكوناته كل بذور الفناء والزوال الأبديين.

وبما أن فلسطين قضية وقف لجميع المسلمين، وقضية إنسانية عادلة، فإن فوبيا أمن إسرائيل وضماناته ستمتد إلى كافة المسلمين وإلى شرفاء العالم كذلك.

الصهاينة لا يمتلكون القدرة على التضحية كما هي الحال لدى العربي والمسلم، وهذا هو الفارق ما بين أهل الحق، وأهل الباطل عبر التاريخ. إنها لعنة الجريمة التي تطارد المجرم، وعدالة السماء، ووهج الحق الذي يأبى أن ينطفئ أو يموت.

- يسكن الكيان أكثر من مليون مهاجر من اليهود الروس، ويتبوأ أغلبهم مراكز مرموقة في أكثر الأماكن الحساسة؛ الأمر الذي جعل الكيان كتابًا مفتوحًا وبلا أسرار لروسيا، ورجح من كفة اليهود الشرقيين وثقافتهم، رغم تسويق الكيان نفسه للعالم بأنه كيان ليبرالي غربي بإمتياز منذ قيامه، لإستدرار عواطف الغرب وعقولهم. ويقف الكيان عاجزًا تمامًا أمام هذه "الكارثة" الثقافية والثغرة الأمنية الخطيرة، لحاجته الملحة لسكان لترجيح كفته أو التوازن مع الفلسطينيين في أية مواجهة أو تسويات مصيرية حاسمة، وللخبرات النادرة التي يتمتع بها أفراد تلك الفئة، والتي فرضت نفسها بقوة على مفاصل دولة الكيان بكفاءآتها، كعلماء وخبراء وفنيين.

- الكيان الصهيوني لم يُحقق أي انتصار عسكري على الجانب العربي، منذ معركة الكرامة مع الجيش الأردني عام 1968م، وصولًا إلى حرب غزة اليوم 2014م، مرورًا بحرب الاستنزاف ثم حرب العاشر من رمضان 1973م، ثم حرب لبنان عام 1982م، ثم حروبه مع المقاومة الوطنية اللبنانية وأشهرها حربا عام 2000م، والتي أدت به للإنسحاب من جنوب لبنان، وحرب يوليو 2006م والتي برهنت أن المقاومة انتقلت من مرحلة المقاومة إلى مرحلة الردع وتوازن الرعب مع الكيان، ثم تأتي ملاحم غزة هاشم أرض الرباط، أعوام 2008م، 2012م، 2014م، لتضفي نكهات انتصار مميزة لخيار المقاومة وتوازن الرعب، ولتستثمر تضحياتها التراكمية لخلق واقعًا سياسيًا جديدًا في المنطقة وعلى مسار القضية المركزية للأمة، قضية فلسطين، لتفوت فرصة ثمينة على العدو باستثمار مسلسل الانتصارات العسكرية العربية الماضية، وتحويلها إلى هزائم سياسية نكراء، ولينالوا بالسياسة ما فشلوا في نيله بالحرب كعادتهم، مستغلين مناخ التشرذم والشتات العربيين، واستشراء ثقافة البؤس والفجيعة بين أطياف العرب المعاصرين بصور أفقية ورأسية مرعبة، وبتجييش الغرب ومحافلهم وأدواتهم لتفريغ أي انتصار عربي يمكن أن يؤسس لثقافة مقاومة وانتصارات، ويشكل مرحلة نهوض حقيقي للأمة، عبر تهويل الخسائر وشيطنة المقاومة وتعظيم "مغامراتها"، وتسفيه خياراتها، ورفع منسوب كُلفتها، في زمن التطبيع والخيار الأوحد.

- يقول الصهيوني المؤسس ديفيد بن جوريون: إن هزيمة إسرائيل في حرب واحدة كفيل بزوالها التدريجي، وتقول الصهيونية جولدا مائير في وصف حالة الفلسطينين: كبارهم سيموتون وصغارهم سينسون!! ونحن اليوم نعيش تفاصيل تنبؤ بن جوريون وكذبة جولدا مائير بتفاصيلهما.

----------------------

قبل اللقاء : قال الجنرال ديجول ذات يوم: إن الجزائر قطعة من فرنسا وأطلق عليها الجزائر الفرنسية، وبفضل الرجال وتضحيات أبناء الجزائر عادت لعروبتها وإسلامها، وتبدد حلم فرنسا بعد احتلال دام 132 عامًا... وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com