رحيل الفنانة مرهفة الحس ريا الرواحية.. لحظات الموت البطيء التي أبكت الجميع

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

الرؤية - مدرين المكتومية

حينما تختصر الحياة بالبحث عن الاختلاف والتفرد، فسترحل وكثيرون يذكرونك بالخير والحب، قد لا يعرفونك شخصيًّا لكنهم يعرفون سيرتك، ويحفظون ما تيسر منها، يكفي فقط أن تراهن على العيش دون تهافت على تفاصيل الحياة والطمع في مغرياتها وملذاتها، لتبقى فقط على قيد الحياة، العيش بأسلوب مختلف يرتقي بك لدرجات أرفع، هكذا كانت الراحلة ريا الرواحية.. مختلفة ومؤثرة فيمن حولها، كانت تؤمن بأن للحياة طعما آخر وأساليب مختلفة كي نحياها بعُمق، حتى في لحظات الرحيل البطيئة كانت تشارك الناس بمفاهيمها المختلفه للحياة والمرض والموت.

رحلت لتروي لنا تلك المعاناة مع المرض بأصوات الأجهزة وصوتها المبحوح؛ ذاك الصوت الذي رغم تعبه وألمه، إلا أنه لا يزال يحمل في بحاته الكثير من الأمل، الكثير من الحلم، حتى عند الرحيل والموت، كان صوت ريا التي لا أعرفها سوى عبر تسجيلات صوتية على صفحتها، أو ربما على بعض خربشات قرأتها، تنمُّ عن فلسفه خاصة، وصور نشرتها لمراحل الحياة التي تراها، كنت أقلب فيها وعيناي تغرق بالدموع، وكأنني أعرفها جيدا رغم جهلي بها، وحتى الوقت لم يسعفني لأتعرف عليها على الأقل، لأحتضنها، وأهمس في أذنها: كم أنتِ رائعة.. من أين لك هذه الفلسفة في الحياة التي تحيل الأسود إلى أبيض ناصع، والأبيض إلى فضاء لا ينتهي تسكنه الأرواح الطيبة، فضاء ليس فيه سوى جنات وزهور وعصافير وصوت الموسيقى!!

أتعلمين أيتها الراحلة، إن ما يصعب على المرء في الحياة أن يصف شخصا لا يعرفه، وأن يصفه في الوقت الضائع، لكنه القدر أيضا، يجعلنا نلتفت للكثير من الأشياء بعد خسارتها، ولأننا نعلم أن هناك خسارات لا تعوض كخسارتك، أطلب من الله أن يسامحنا على التقصير الذي بدر منا في الوقت الذي كنتِ تشاركينا فيه الحياة.

ولأنَّ الإنسان لابد أن يعترف بأخطائه، كان لابد أن نكفر عنها، ولو بالقليل، حتى وإن كنا نصف شخصا نجهله، إلا أن هناك مساحة مما أبقاه لنا لنستطيع على الأقل التعرف إليه؛ لذلك أيتها الشابة الجميلة الحالمة الراحلة إلى ضفاف الحياة الأخرى، كوني هناك حيث المستقر، فروحك ستجد لذلك العالم أيضا مساحة وفسحة لتكتشفه، فلربما رحلتك لعالم أجمل مما كنتِ فيه، ولعالم ربما ستجدين فيه كل ما تحلمين، ومنا نحن نتمنى أن يسكنك الله فسيح جناته أيتها الحاضرة الغائبة في نفوس محبيك.

الموت حقٌّ.. واجهتيه بكل شجاعة وأي شجاعة تلك التي تتحلين بها، وأنتِ تصارعين الموت حتى اللحظات الأخيرة، تصارعين الموت وهمك في الآخرين لترسلي لهم الرسائل، التي تجعلهم أقوياء يواجهون مصاعب الحياة العادية، ويتألمون، وتذرف أعينهم الدموع لمجرد التهاب عابر أو حمى أو أنَّ أحدهم فصل عن العمل أو أنه بات جائعا.. عزيزتي لو أنهم علموا ما في رسائلك من إشارات، وأنتِ توثقين لحظات لفظ أنفاسك الأخيرة، لزهدوا الدنيا ومتاعها ولأنفق الأغنياء أموالهم على الفقراء ولفرح الفقراء أيضاً بنعمة العافية التي لا تشترى، ولو أن  الحياة تُشترى لوهبناها لك، ولكن هي الأقدار دوماً تضع الإنسان في قلب كي يفهم الدنيا ويصبر عليها، فيصبح قريبَ الشبه بأمثالك ممن امتلأت قلوبهم يقيناً وزهداً، فلترقد روحك الطاهرة بسلام.

ولأنَّ خبر رحيلها كان له وقعه على الكثير ممن يعرفونها ولا يعرفونها، وممن تابعوا رحيلها لحظة بلحظة، فها هي الساحة الفنية والتشكيلية في السلطة تبكي الفنانة العمانية الشابة ريا الرواحية بعد صراع مع مرض السرطان.

يُذكر أن الراحلة درست الهندسة وعملت فيها لسنتين، ثم أكملت دراسة الماجستير في الفن بإيطاليا، وحصلت على المركز الأول في مسابقة الأصالة للعام 2011، كما حصلت على جائزة ستال جاليري للشباب 2015 عن عملها "التلقين..الشك..اليقين"، وقد عبر الكثيرون ممن يعرفون الفنانة عبر هاشتاج "#ريا_الرواحي" عن بالغ الأسى والحزن في رحيلها.

قال إبراهيم بن سعيد: "فنانة استثنائية ترحل عن عالمنا، أعمال إبداعية ملهمة وعميقة المعنى والقيمة الفنية الرفيعة... ياللفن الراحل".

وقال محمد السناني: "رحلت فنانة عمانية شابة هذا اليوم. وكطبيعة الشهب العابرة للسماء لا يلحظها كثيرون، من فرط ما ذللت الرقاب ونكست الأعناق. لم أتعرف على فنها عن قرب، مشغولون بتفاهات الحياة وسفاسفها عن جوهرها الفني العميق، سلاماً لروحك يا ريا.. أنت هناك؛ حيث لا ألم ولا شقاء".

في حين نَشَر عبر الهاشتاج السينمائي هيثم سليمان.. قائلا: رحيل الزميلة المثابرة ريا الرواحية بعد معاناة مع مرض السرطان، أتذكر نقاشاتنا القصيرة في صالون ستال جاليري، وفي كل نقاش هنالك عُمق وهنالك حديث ما خلف الحديث، ريا فنانة اختزلت عوالم الصوت حسب بعدها الخاص، وتركت بصمة في التعامل مع وجدانياته، تمتلك أذنا مرهفة.. رحمة الله عليك".

في حين قال هيثم الجهوري: "رحيل ريا الرواحية سبَّب لي صدمة.. التقيت فيها قبل سنوات بأحد المعارض الفنية للشباب، كانت تنظر إلى نفسها بعد 20 سنة".

تعليق عبر الفيس بوك