روسيا الاتحاديّة بدايةُ نهوضِ الحُلْم القَيصريّ

ماهر القصير – السعوديّة
باحث في السَّياسة الدُّوليّة


تمتلك روسية مجموعة من عوامل القدرة التي تؤهلها للقيام بهذا الدور حاليا وفي المستقبل فمن زاوية عناصر قوة الدولة تمتلك روسيا موارد هائلة لم تستغل بعد, وستشكل إذا ما استغلت دافعا رئيسًا لجعلها واحدة من أغنى دول العالم حيث تملك من الثروات المعدنية والاحتياطات الضخمة من النفط والغاز وتحتل المركز الأول على المستوى العالمي من إنتاج النفط حيث تستأثر بنحو 40% من إجمالى الصادرات العالمية من النفط و تنتج 10.1 مليون برميل يوميا كما تمتلك روسيا سابع أكبر احتياطى نفطى فى العالم بعد دول الخليج وفنزويلا، حيث قدر احتياطيها من الزيت الخام بنحو 60 مليار برميل (4.6% من الاحتياطى العالمى), كما أنها أكبر دول العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعى وتستحوذ روسيا على 1.7 كوادريليون قدم مكعبة 27.5% من احتياطي الغاز في العالم وبالتالي فهي تعتبر أول منتج للغاز في العالم بنسبة 22.1% من الإنتاج العالمي, وتجدر الإشارة أن النفط يسهم بنحو 13% من إجمالى الناتج المحلى الروسى، أى أن انخفاضا بمقدار دولار واحد فى سعر برميل النفط يصيب الخزانة الروسية بخسارة تتراوح بين 1 و1.4 مليار دولار سنويا. وتشكل الصادرات السلعية الروسية، خاصة من النفط والغاز الطبيعى والمعادن، نحو 80% من إجمالى الصادرات الروسية، وتمتلك روسيا أيضاً قدرات تصنيعية بارزة في مجالات صناعات الفضاء، والهندسة النووية، والعلوم, روسيا دولة متطورة في مجال امتلاك تكنولوجيات الطاقة الذرية, وقد أنشأت محطات ذرية في مختلف دول العالم ومنها على سبيل المثال الصين والهند وايران وتركيا وفي امريكا اللاتينية ودول عدة, وتتمتع بطلب متزابد في السوق العالمية في هذا المجال, فقد عهد الرئيس بوتين للنائب الأول لرئيس الوزراء سيرغي ايفانوف بالأشراف على مجال تطوير التكنولوجيا وفي تصريح لأيفانوف عقب إجتماع عقده بتأريخ 20-4-2007 قال أن لروسيا طموحات كبيرة في قطاع الطاقة الذرية وروسيا تخطط لزيادة بناء المحطات الكهروذرية في البلاد وفي الخارج وأشار أن روسيا ستواصل الأحتفاظ بحصتها التي تبلغ 40% من السوق العالمية لتصنيع أجهزة الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم وأشار أن الدولة ستولي اهتماماَ خاصاَ بتطوير المحطات الكهروذرية العائمة وتصنيع كاسحات الجليد الذرية والتقنيات العسكرية النووية.
أما من الناحية الجيوسياسية, فروسيا الاتحادية في حقيقة أمرها هي قلب أوراسيا وجناحيها, وتصدق عليها النظرية الأوراسية وصاحبها بريجنسكي التي تعتبر واحدة من النظريات الجيوسياسية ذات المصداقية العالية, إذ هي تشكل القلب وتقترب جدا من قوس النفط وقوس الأزمات في آن واحد, بالإضافة إلى أن روسيا تشرف على معظم دول العالم وتعد الأقرب حدودياً من جميع دول وعواصم العالم وتستطيع تهديد أي دولة عسكرياً من الناحية الجغرافية حيث أن المسافة من روسيا إلى واشنطن أقرب من طوكيو أو لندن لواشنطن وكذلك بالنسبة لطوكيو و جميع العواصم الأوربية و الآسيوية وهذا مركز لم تتمتع به أية دولة في العالم تاريخياً مما يعطيها مركزاً متميزاً تستطيع تفعيله لو رغبت على مستوى الاستراتيجية العسكرية.
وبإضافة الإرث السياسي والإستراتيجي المتحقق لروسيا الاتحادية نتيجة تفكك الاتحاد السوفيتي السابق, فإن ذلك سيجعل من روسيا الاتحادية إحدى الأطراف الرئيسية على المسرح الدولي.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بدأت رقعة الشطرنج الغربية تتوسع للسيطرة على مصادر الطاقة وطرقها المتركزة في الشرق الأوسط و آسيا الوسطى وبحر قزوين فتنبهت روسيا لذلك مع صعود الرئيس بوتين للحكم في روسيا الذي كان يتبنى مشروع ((الحضارة الروسية المتميزة)) و كان شعاره “الديمقراطية هي دكتاتورية القانون” وأنه كلّما ازدادت الدولة قوة كلّما شعر المواطن بأنه حرّ”, مضيفاً: “فقط دولة قوية وفعالة تستطيع ضمان حرية المبادرة وحرية الفرد والمجتمع”, واصفاً روسيا بأنها “بلد غني بالناس الفقراء وبدون نظام” ومن أجل بناء الدولة المركزية القوية, أحاط نفسه بالعديد من زملائه السابقين في الكي.جي.بي ثم في جهاز الأمن الفدرالي (ومعظمهم من جيله) معلناً تشكيل فريقه الذي يثق به و يشاركه الرؤية المستقبلية لروسيا.
وفور استلامه لمهامه بموجب الدستور في السابع من أيار 2000, عيّن حكومة تضم شيوعيين وإصلاحيين ومعارضين, مبقياً وزير الخارجية والدفاع في منصبه (مكافأة له على حرب الشيشان على الأرجح). كما عيّن على رأس الحكومة ميخائيل كاسيانوف نائب رئيس الوزراء المكلّف بالشؤون الاقتصادية والذي بنى علاقات وثيقة مع الغرب والمؤسسات الدولية وانتزع في شباط 2000 اتفاقاً مع نادي لندن يخفّف الدين الخارجي لروسيا بمقدار 10,5 مليار دولار.
 وعليه توجب على صانعي القرار الجدد في روسيا الاتحادية أن يفكروا بعقلانية وحصافة في معرض سعيهم إلى إعادة ترتيب أولوياتهم, وتقليل الضرر الذي أحاق بهم إلى أدنى مستوى ممكن, وإعادة صياغة الأهداف القومية لروسيا الاتحادية عن طريق تحليل معمق لعناصر القدرة والفعل والكبح المؤثرة في الحياة الروسية.
وضع بوتين ثلاث مبادئ:
 أولها: أن النظام الأمني هو قلب الدولة. وثانيها: أن موسكو هي قلب روسيا. أما الثالث: أن روسيا هي قلب الاتحاد السوفياتي السابق. لم تكن هذه المبادئ وليدة وقتها. فقوة هيئة الأمن القومي، الذي سمي فيما بعد ’وكالة الاستخبارات الروسية‘ (FSB) و وكالة الاستخبارات الروسية الخارجية‘ (SVR)، انتقلت ببطء من نظام ذي سيطرة غير رسمية من خلال (حكومة السرقات) إلى سيطرة اكثر تنظيماً على أجهزة الدولة عبر المؤسسات الأمنية، لتعيد تأسيس النموذج القديم. وقد سيطر بوتين على الحكومات الإقليمية من خلال تعيين حكامها، والسيطرة على الصناعة خارج موسكو. والأهم من ذلك، أعاد روسيا، باحتراس، إلى المرتبة الأولى بين نظيراتها في الاتحاد السوفياتي السابق.
وتمكنت الدولة، متمثلة بالحكومة وبشخص الرئيس السابق فلاديمير بوتين ومن ثم خليفته ديمتري ميدفيديف, من إنهاء عملية التحول والوصول إلى مرحلة الاستقرار على الصعيدين الاقتصادي والسياسي ببعديه الداخلي والخارجي, وهذه عملية ديناميكية مستمرة تتحدد ملامحها في المعادلات الفاعلة في كل من النشاطات التي سبقت الإشارة إليها.
ويشير واقع الحال في روسيا الاتحادية اليوم إلى أن هذه الدولة استطاعت أن ترسم لها خطا إستراتيجيا بعد مرحلة التحول إثر تفكك الاتحاد السوفيتي, واستطاعت إقرار نظام اقتصادي يعمل وفق آليات السوق, مدعما بنظام يعمل وفق التعددية السياسية والإثنية والدينية التي يتصف بها.......
يتبع.... السياسة البوتينية في خلق حلم جديد (لروسيا العظمى)

تعليق عبر الفيس بوك