ردود وتعقيبات على مقالات الدروس الخصوصية

   عيسى بن علي الرواحي

تطرقنا في مقالاتنا السابقة إلى ظاهرة الدروس الخصوصية من زوايا مُختلفة وجوانب مُتعددة، واعتقادي الجازم أنها ظاهرة تستحق الحديث وتستوجب البحث أكثر من ذلك، ولا أقول إن الأيام ستُثبت ذلك لا محالة، فالواقع الحالي يثبت مدى الأثر والضرر، أما قادم الأيام فما من شك أنها ستكون حبلى بالآثار السلبية السيئة على الواقع التعليمي إذا تُركت هذه الظاهرة على حالها من الانتشار والاستفحال!

ليس هذا بلسان حال الكاتب فحسب، فقد وردتني خلال الفترة الماضية مجموعة من الردود والتعقيبات على تلك المقالات، وجاءت في أغلبها مؤكدة لما تمَّ بيانه، وبعضها تحمل إضافات أخرى مُهمة، ومنها ما يحمل وجهات نظر قد تكون مُغايرة، ونظرًا لما تحمله تلك الردود والمداخلات من أهمية تثري الموضوع، فقد رأيت أن أنقل بعضها للقارئ الكريم كما وردتني مع اضطراري لحذف بعض الكلمات؛ لعلها بذلك تكون سببًا في إحداث تغيير في واقع مجتمعنا، أو تحرك ساكنا في محيط وزارتنا حول هذه الظاهرة.

أرسلَّ إليَّ أحد التربويين عبر البريد الإلكتروني مؤكدًا على ما ذكرته في أحد المقالات بأنَّ كثيرا من الطلاب لديهم هوس الدروس الخصوصية والمباهاة أكثر من رغبتهم في العلم والاستفادة، كما أضاف بعض النقاط التي تبدو غريبة ومزعجة في نفس الوقت، فجاءت مداخلته على النحو الآتي: " أستاذي العزيز لقد قمت شخصياً بفتح مركز لدروس التقوية للقضاء على هذه الظاهرة مستعيناً بمُعلمين عُمانيين مشهود لهم بكفاءتهم مقابل مبلغ رمزي مع توفير قاعات تدريس ووسائل إيضاح وحافلات لنقل الطلاب وكان التجاوب في بداية الأمر ممتازاً، ولكنَّه أخذ يضمحل إلى درجة الانعدام مع العلم أنني قمت بعمل استبيان لعمل المركز من قبل الطلاب وكانت النتائج مرضية، ولكن غير العُماني له سوق رائجة ولا ندري ما السبب؟! ومن الغريب أنَّ بعض أولياء الأمور يذهبون ببناتهم إلى منازل أولئك المدرسين غير مبالين بما سيحدث لهن وبعض الطلاب يدرسون مواد مثل الفيزياء مع معلم الكيمياء وهناك معلم موسيقى يُعطي دروساً خصوصية في جميع المواد( بتاع كله).

أستاذي العزيز للأسف بعض أولياء الأمور يعتقدون أننا نحن ضد مصلحتهم مع العلم بأننا في خدمتهم"

 

ويتطابق كثيرًا مع هذا التعقيب ما أرسله إليَّ أحد الأساتذة عبر الواتس بما نصه : "والغريب، أن الطالب إذا أردنا أن نعطيه حصة إضافية مجانية عن طيب خاطر تجهم، وزمجر، ورمق بعين السخط"!

ثم إذا تولى في الأرض أخذ يلهث وراء المعلم الخصوصي (غير العماني)  ليدفع له مبلغا وقدره عن كل ساعة.. ومئات الريالات للفصل الواحد.

علما بأنَّه غالبا لا يقدم له إلا الوهم، ولا يزيده غير تخسير

في وقت أصبح فيه مصدر العلم والمعرفة متاحًا حتى للنائم في سريره الوثير! لا ندري أعجز هو؟

أم العامل النفسي العاصف بالطالب وولي أمره على حدٍ سواء ؟ وربما هي ثقافة تمَّ زرعها لأهداف مادية بحتة، لنجد أن ما يتقاضاه معلم الدروس الخصوصية قد فاق 20 ألف ريال كل عام، وربما كل فصل.

 هل سنصحو على واقع فاسد الضمير؟!

ويعتاد إثره لساننا - نحن المعلمين- أن يلوك تلك العبارة السخيفة المقيتة أمام الطلاب بداية كل فصل دراسي:(هذا اللي عندي...إذا تريدوا زيادة تجمعوا في مكان، وكل شي بحسابه) مسلسل قديم (بالأبيض والأسود)

يلوح في أفق السلطنة بمُباركة عمانية."

من هذين الردين يتبين لنا ما أكدناه في أحد المقالات السابقة أن نظرة كثير من أبنائنا إلى أخذ الدروس الخصوصية، ليس من منطلقات الحرص على التزود بالعلم والمعرفة، والرغبة الصادقة في رفع مستوياتهم التحصيلية بقدر ما هو ترف علمٍ وتلف مالٍ، وإلا لماذا يتأففون ويتبرمون من وسائل التعليم وفرص العلم الأخرى المتاحة لديهم؟! على أولياء الأمور أن يُدركوا هذه الحقيقة جيدًا والتي قد تبدو غائبة عنهم، إن لم يكونوا سببًا في إحداثها أصلا.

وهذا تعقيب آخر يؤكد أنَّ هذه الظاهرة في المقام الأول قائمة على الجشع المادي وحب الاستغلال من قِبل القائمين عليها، وأنَّه بالإمكان الاستغناء عنها بالوسائل العديدة المتاحة؛ فجاء تعقيبه ما نصه:

"...ظاهرة الدروس الخصوصية مع الأسف الشديد تتفاقم يوما بعد آخر وتهدد دخل الآباء العُمانيين بسبب جشع وسوء استغلال البعض من الذين أصبح الطالب العُماني بالنسبة لهم ريالا يتحرك على الأرض! ولدي الكثير من القصص التي سمعتها من أولياء الأمور بالإضافة إلى معاناتنا الشخصية مع ولدنا.

فقد عانينا أنا وزوجتي في سنة ٢٠١٥م بسبب هذه الظاهرة غير الصحية ومع الأسف فقد حصلت على الكثير من الردود السلبية والاشتراطات التعجيزية من بعض المدرسين عندما كنت أبحث عنها لابني، مما جعلنا نتخلى عن ذلك، ونتوجه الى التعليم الإلكتروني لإنهاء هذه الظاهرة المتفاقمة يومًا بعد آخر.

وقد أنشأنا موقعاً يهتم بالتعليم عن بعد لطلاب المدارس وهو في متناول الجميع لتخفيف الأعباء المالية عن أولياء الأمور، ويكون خيارا بديلا متاحا لهم، بالإضافة إلى سهولة الدراسة للطالب في الوقت والمكان المناسب له.

ولعل هذا الرد المختصر يوجز لنا شأن الدروس الخصوصية عندما عقَّب صاحبه بقوله : " واقع مؤلم بالفعل! التعليم تحول إلى تجارة وتجميع للأموال! نسأل الله السلامة".