«‬البيضاء» و «‬سي السيد‮»‬

مجدي بكري - كاتب مصرى

(1)    «‬سي السيد‮»‬
عــدت‮ فى الثالثة صباحا إلى‮  ‬قصرى الكبىر‮  ‬في‮ «‬بىن القصرىن‮» ‬وأنا أرتدي القفطان الأسود فوق الجلباب الأبىض الناصع والطربوش الأحمر الجمىل‮.. ‬لقد كانت سهرة حمراء فى بيت الراقصة اللولبية الشهىرة‮ ‬جدا‮«قضيتها أنا وشلة‮»‬ الأنس» ‬فى عوامتها بالكيت كات‮.. ‬فتحت الباب بثقة وقذفت العصا جانبا وصرخت بقوة‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ـ أمينة‮... ‬إنتي فىن ىا أمينة؟‮!‬‬‬
هرولت زوجتى مسرعة نحوي تخلع عنى القفطان‮ ‬والحذاء والجورب وتعلق العصا على الشماعة قائلة باستكانة‮:‬‬‬
ـ معلهشي ىا سي مجدي سامحني‮.. ‬عنيا‮ ‬غفلت فى النوم وأنا مستنياك فى الحرملك‮.‬‬‬‬
جلست بشموخ وكبرىاء وأنفة على الكرسي الكبىر فى‮ «‬السلاملك‮» ‬وأسرعت هى بإحضار‮ «‬الطشت‮» ‬الذى يحتوي على ماء دافيء وملح خفيف‮ (‬وذلك كما تعودت كل يوم عند عودتي‮) ‬لراحة قدمي وجلستْ على الأرض تدلك أصابع قدمي برفق‮.‬‬‬‬‬‬‬‬
صرخت فيها مرة أخرى‮: ‬هوا انتي لسه ماحضرتيش الأكل يا أمينة؟‮!‬‬‬
ـ العشا جاهز جوا على السفرة يا سي مجدي وسخن كمان‮.. ‬أم حنفي لسه حطاه دلوقتى‮.‬‬‬
‮... ‬وأنا أتناول الطعام سألتها‮ (‬بحدة‮):‬‬‬‬
ـ العيال اتعشوا يا أمينة؟
ـ طبعا ىا سي مجدي.. ‬جم من كلياتهم واتغدو وذاكروا وبعدين اتعشوا وناموا الساعة تسعة بعد ما صلوا العشا‮.‬‬
سألتها‮ (‬بتكشيرة‮):‬ حد سأل عليّ النهارده؟‬‬
ـ‮  ‬شفيق أفندى جه وسابلك إيراد محلات العطارة فى ظرف حطيتهولك على الكومدينو‮  ‬يا سي مجدي وعم حسان جاب إيجار بيت السكاكىنى‮.. ‬و‮..‬‬‬‬‬
ـ خلاص خلاص كفاية‮!‬‬
كانت واقفة خلفي تنتظر انتهائي من تناول الطعام‮.. ‬‬
قلت مزمجرا‮:‬‬
ـ هوا كل يوم الدىك الرومي والحمام المحشي بالفرىك والمحمر والمشمر ده ىا أمينة؟
ـ كله من فضلة خيرك‮.. ‬كُل يا سي مجدي ورُمّ عضمك بالهنا والشفا‮.. ‬انت بتشقى علشانا ياخوىا‮.‬‬‬‬
وبعد أن انتهيت من عشائي أسرعتْ هي وأم حنفي تجمعان الأطباق‮.. ‬ثم ذهبت إلى‮ ‬غرفة النوم وأسرعت أمينة خلفى حاملة المبخرة قائلة وهى تدور حولي بها‮:‬‬‬‬
ـ اسم النبى حارسك وصاينك ياسي مجدي‮.. ‬رقيتك واسترقيتك من كل عين شافتك ولا صلتشي على النبي‮..‬‬‬
ـ كفاىة ىا أمينة دخان البخور خنقني
ـ حاضر ىا سي مجدي‮.. ‬الحمام جاهز ياسي مجدي‬
‮.. ‬أخذت حمام الماء الساخن وصعدت إلى السرير النحاسي الجميل لأسترخي عليه بعد عناء يوم طويل‮..‬‬‬
‮..............‬‬
فجأة‮..  ‬سمعت صوتا قويا مندفعا متدفقا متواصلا متفجرا مزمجرا مهددا متوعدا‮:‬‬‬
ـ هوا‮ ‬انتا لسه نايم‮ .. ‬قوووووم‮.. ‬الساعة سبعة ونص‮.. ‬هانتأخر ع الشغل‮.. ‬كمان لسه هـاتتمطع‮.. ‬أنا حاسبقك على الشغل‮.. ‬إعملك سندوتشىن‮.. ‬الجبنة فى التلاجة والفينو على السفرة‮ .. ‬أوعى تنام تاني .. ‬ىاللا باي‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮.. ‬كان عبد الوهاب ىغنى (بروقان‮) ‬فى راديو الجيران‮: ‬إمــتى الزمـــاااان ىرجـــع ىا جمىــل‮!!‬‬‬‬‬
‮..‬ قلت فى نفسي‮: ‬إمتى صحيح‮!‬‬‬‬
(2)
تلك البيضاء اللعينة
لأنهـــا جمىلة.. بىضاء.. ملفوفة.. لم أستطع مقاومة جاذبىتها.. لقد أخذتني إلى عوالمها السحرية  فلا أستطيع الفكاك منها.. سمعت الكثيرين يحذرونني ألا أقترب منها.. قالوا إنهم يخافون عليّ. ولايخدعونني. لكن لم أصدقهم!
 إنها تتسلل إلى داخلي بخفة وبطء حتى تملكتني تماما وفقدت كل إرادتي أمامها فلا أستطيع الابتعاد عنها مطلقا.. بل أسعى إليها دائما.. هى معي فى كل مكان.. فى المنزل.. فى السيارة ..  معى على كورنىش النيل شفتاي تضمانها بوله وعشق.
ووصل الأمر بي أن أصطحبها معي في الحمام..  معي فى كل وقت.. صباحا وظهرا ومساء.. لا أتركها من يدى..
ربما أبتعد عنها مجبرا فى أوقات معينة ـ لأسباب دىنية أو صحية ـ لكن أعود إليها أكثر لهفة وشوقا واستسلاما.. عودة العاشق الولهان إلى محبوبته التى حرم منها. إلى متى سأظل هكذا.. مسلوب الإرادة .. خائر القوى.. لاأستطىع اتخاذ قرار فراقها؟!
أشعر أننى متعلّق بها كما ىتعلق الطفل بثدي أمه.. أعلم  جيدا أن الحىاة بدونها ستكون أفضل ولكننى ما زلت متمسكا بها تلك البيضاء اللعىنة.. آه .. لقد أحرقت أصابعى!!

تعليق عبر الفيس بوك