كيف يكون بناء الإنسان؟

أ.د/ محمد  بن قاسم  ناصر بوحجام – الجزائر


                              
بناء الفرد على الصّلاح في الدّين، وعلى الصّلاح للحياة، وعلى الاستقامة في السّلوك، والاستقامة في خوض معركة الحياة بقوّة وثقة في النّفس، والتّأهيل لخدمة المجتمع وتحقيق أهدافه...هذا البناء  إلى البدء من الأساس؛ من الأسرة والمسجد والمدرسة، والنّادي والجمعيّة والمؤسّسة.. وكلّ ما يحضن الطّفل والصّغير والشّاب والمكفول به...يُعلَّمون فيها القيم، ويُزوَّدون بالمقوّمات، التي تبنيهم منذ البداية على ما يشيِّد كيانهم الحقيقي على أسس صحيحة، وتقدّم لهم أنواعُ الـمُقاومات، التي تحصّنهم من الانحراف عن الفطرة التي فطر الله النّاس عليها..وتقيهم من الانزلاق إلى ما يضرّ بمكوّنات المجتمع وكيان الوطن...

أي يجب أن تكون برامج كلّ هذه الهيئات الحاضنة للنّش منبثقة من مبادئنا الأصيلة، ومشدودة إلى أهدافنا الحقيقيّة..كما يجب أن يتولّى تسطيرها وإعدادها، وتوجيهها وتطويرها، والسّهر على مراقبتها وتقويمها...من يحمل الرّوح التي تحملها هذه  الصول والمبادئ والأهداف.

يعني هذا أنّ التّحلّي بالمسؤولية الكاملة، بعد وعي حقيقتها، والتّمتّع بالكفاية العالية والدّراية الكافية والنّظرة الشّاملة.. لسبل تجسيدها وتطبيقها في الميدان...كلّ ذلك يجب أن يتوفّر في القائمين على شؤون بناء المجتمع، والنّهوض بالوطن وتنميته وتطويره، وبخاصّة تربية النّشء، وإعداد الأجيال.. إنّ هذا المطلوب عمل كبير ومسؤولٌ عظيمة، وعبء مضنٍ، وحمل ثقيل.. لابدّ  من تحمّله مهما تكن الظّروف والعوامل..

يجب – أيضًا - أن يكون العمل متكاثفًا متآزرًا متناسقًا، موزّعا على كلّ  المؤسّسات، وأن يكون الجميع مشتركين مسهمين فيه بقوّة ودقّة وفاعليّة..؛ كي يجد النّاشئ الجوّ الملائم المنسجم مع أصوله وتقاليده وأعرافه...في كلّ بيئة يوجد فيها، وفي كلّ فضاء يتحرّك فيه، ومع كلّ مربِّ وموجِّهٍ يلتقي به..  

من دون ذلك لن تجدي أيّ وسيلة، ولا ينفع أيّ تدبير.. بمعنى أوضح وأصرح: على الجميع أن يخوضوا  - بكلّ حزم وعزم وحسم واستماتة وقوّة وذكاء وفطنة وحسن تدبير وتسيير– معارك البناء والإعداد والتّكوين والتّربية والوعي...  
إنّ هذا عمل كبير، ومسؤولية عظيمة، وهما ضروريّان في هذا الواجب والشّرط الأساس في المسؤولية التّربويّة والتّثقيفيّة، وإلاّ فلا مطمع في النّجاح والفلاح في البناء السويّ، والإعداد القويّ، من أجل عيشٍ هنيّ، ومنقلب سنيّ..
والسّؤال الذي يعرض بعد هذه التّوطئة: ماذا تطلب التّربية؟؟ نقول باختصار: تطلب مطالب كثيرة  منها:
(1)    الانطلاق فيها من أصول ومبادئ ثابتة راسخة.
(2)    تحديد الأهداف المنشودة بدقّة.
(3)    تعيين المرجعيّة القويّة، التي يصدر عنها المربّون، ويَـحتَمُون بها، ويستمدّون منها سبل العمل البنّاء، ويلجؤون إليها للاسترشاد والتّصحيح والإصلاح.
(4)    معرفة القواعد والشّروط والمعالم.. التي تضمن لهم البقاء في الطّريق السّليمة في التّربية الشّاملة البعيدة عن التّحرّك العشوائي السّاذج، والتّوجيه العفوي غير الممنهج..
(5)     التّحلّي بالصّفات التي تعين على العمل البنائي الصّحيح، مثل: الشّعور بالمسؤوليّة، والصّبر، والمداومة، والاستمرارية، وحسن التّوجيه والمراقبة، وعدم اليأس والاستسلام للواقع المعيش، والرّضوخ للظّروف والعوامل المفروضة، والوقوع تحت طائلة ضغط الحياة المتغيّرة في كلّ لحظة، والابتعاد عن خلال الملل والكلل والضّجر..
(6)     التّكيّف مع المتغيّرات والمستجدّات والتّحدّيات، بقاعدة: الصّلابة في المبادئ والمرونة في التّطبيق، والوفاء للعصر، ومراعاة مقتضى الحال، وتقدير المآل.
(7)     الوعي بأهمّ قاعدة تربويّة في علاقة الأب ووليّ الأمر بابنه ومن هو تحت كفالته المتمثّلة في الاهتمام به والعناية بمشاعره وإعطائه حقّه من الحبّ والعطف والحنان والاهتمام ومراعاة أحواله، وتقدير مواهبه وإمكاناته ومؤهّلاته.. وفهم شخصيّته وميوله وآماله ورغباته..
(8)     إدراك الأب أنّ ابنه أمانة  في عنقه، يجب أن يقدّم له كلّ ما تتطلّبه  هذه الأمانة من الرّعاية والعناية.. والتّوجيه والإرشاد والأخذ بيده إلى حيث الصّلاح والنّجاح والفلاح ..
(9)     وعي وليّ الأمر واقتناعة أنّ ابنه جزءٌ رئيس من برامجه، وعنصر مهمّ في مشروعاته، وأنّه يظلّ طرفا أساسًا في تفكيره وتخطيطه وتدبيره وحياته كلّها..أي على الوليّ أن يفقه حقيقة الأبوّة ويفهم طبيعة البنوّة..اللّتين ترشدانه إلى حسن أداء واجباته وأخذ حقوقه بهما.

ولنسأل أنفسنا: ما هي ضوابط العمل البنّاء بصفة عامّة؟؟ إنّ العمل البنّاء يحتاج إلى ضوابط كثيرة، نذكر منها ما يأتي:
(1)    التّشبّع بمبادئ أصيلة ثابتة راسخة في القلوب..
(2)    مرجعية قويّة متجذّرة في النّفوس وفي عمق التّفكير الجماعي..
(3)    تحديد الغاية بدقّة، وتعيين الأهداف بعناية ودراية..
(4)    اختيار الوسائل والسّبل والأساليب المناسبة للتّحرّك والنّشاط والممارسة..
(5)    ضوابط وقواعد تنظّم وتضبط عمليّات التّفكير والتّدبير والتّخطيط والتّسيير والتّقويم..التي منها:

أ‌-    تفكير قاعدي يخطّط ويدبّر ويوجّه.. لتنظيم الـمسير والـمصير..
ب‌-    تعليم قاعدي تنبني عليه الدّراسات الإسلاميّة والإنسانية لبناء الشّخصيّة.
ت‌-    تربية قاعدية تنبني عليها حياة النّاس في المجتمع..
ث‌-    تكوبن قاعدي تنبني عليه الوطنيّة وخدمة الصّالح العام..
ج‌-    انضباط قاعدي؛ من أجل تحرّك حضاري  قوي..
ح‌-    وعي قاعدي يسهم في فهم الحياة فهمًا صحيحًا، ويقود إلى معرفة أساليب السّير فيها، ويعين على إدراك حقيقة المسؤولية، ويساعد على فقه حقيقة القيم التي يجب أن يتحلّى بها الوطنيّ الحرّ، الذي يتقن تطبيق قاعدة: " مصلحة الجماعة والوطن قبل مصلة الفرد."
ويجيد الالتزام بقاعدة محو الذّات فضلا عن نكرانها في العمل الاجتماعي..
الـمهمّ في كل ذلك، إنّنا نحتاج إلى إعداد قاعدي أصيل قويّ متين..، قبل توزيع العاملين في الميادين، لنتقّي المزالق والمطبّات المهلكة القاتلة.. ونتلافى الكوارث الأخلاقيّة والاجتماعّة والاقتصاديّة والسّياسيّة – بخاصّة – التي نعاني منها.. فنحتار كيف نعالجها.. مع أنّ الأمر يتعلّق بما كسبت أيدينا من التّقصير في التّكوين القاعدي، فما تشهده السّاحة العربيّة – بعامّة - من التّردي والرّداءة والرّدّة، ليست سوى صورة  من صور هذا التّسيّب وهذا الإهمال في الإعداد والتّكوين والبناء.. لهذا ينطبق علينا المثل القائل: " يداكَ أوكتَا وفوكَ نفخ"..

تعليق عبر الفيس بوك