عبيدلي العبيدلي
شدت الأحداث المتتالية، والخطيرة التي عصفت بالأوضاع في منطقة الخليج العربي خلال الشهر الستة الأشهر الماضية أنظار المواطن الخليجي، ودفعته إلى متابعتها بشكل متواصل، على مدى الأربع والعشرين ساعة، بسلوك يشوبه التوتر، المصحوب بالخوف من مستقبل يبدو شبه مجهول، يتربص به؛ مما أدى لتراجع نظيراتها المحلية، باستثناء مواطني الدول التي عرفت ساحاتها تلك الأحداث؛ فقد اضطرتهم ظروفهم للانخراط الكلي في تفاصيلها.
وتتصدر قائمة تلك الأحداث الأزمة الخليجية-القطرية التي تركت ذيولها على معالم الحياة اليومية لذلك المواطن، وقادت إلى إجراءات لم تعرفها دول مجلس التعاون الخليجي في تاريخها المعاصر، حتى وصل الأمر إلى تهديد بنية مجلس التعاون الخليجي الأساسية، وهياكل مؤسساته الرئيسة.
تلي ذلك التحولات النوعية السريعة، غير المسبوقة في تاريخ الدول السعودية، التي أقدم عليها ولي العهد السعودي، والتي هي الأخرى، فاجأت الكثيرين، بمن فيهم مواطني دول مجلس التعاون، وفي المقدمة منهم أبناء مملكة البحرين. فقد كانت الخطوة مثرة للجدل، وغير متوقعة، وأربكت خطوات العديد من الدول العربية، بما فيها الخليجية ذاتها. وعرفت الرياض تحولات نوعية على المستوى الاجتماعي قبل السياسي، كانت ضربا من الخيال بالمعيار السعودي ذاته.
ثم توالت الأحداث، فجاء تصريح الرئيس اليمني السابق علي صالح الذي تضمن الدعوة لطي صفحة الماضي، وفتح صفحة أخرى جديدة مع الرياض مصحوبة بنداء، هو الآخر اعتبر جريئا ومفاجئا، لتوجيه البنادق اليمنية نحو الحوثيين، على حد قوله، ثم اغتياله على يد مجموعة مسلحة اعترضت موكب السيارة التي كان فيها، ليحرف الأنظار عن القضايا المحلية كي تأخذ مكانها القضية الخليجية، نظرا للمفاجآت غير المتوقعة التي حملتها من جانب، وعمق تأثيراتها الآنية المباشرة والمستقبلية من جانب آخر.
الأمر المفاجئ هنا أيضًا، هو احتمال سرعة، ومن ثم مفاجأة، يحملها بدء انقشاع غيوم تلك الأزمات الخليجية المتلاحقة بشكل مباغت. نسوق مثالا واحدا على ذلك، وهو الأزمة الخليجية-القطرية التي بدأت تهب على سماء الكويت رياح تحمل في أحشائها بوادر وصولها إلى حل سريع، يضمن عودة المياه إلى مجاريها بين الأشقاء.
وفي خضم ذلك، ودون أن يعني القول بانشغال المواطن الخليجي بتلك الأحداث خطأ يرتكبه. لكن المطلوب منا، كبحرينيين، ونحن في خضم تلك المتابعات، ألا تغيب عن أعيننا، ولا تخلو أذهاننا من حاجة البحرين إلى المزيد من الاهتمام، التي هي في أمس الحاجة له في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة من تاريخ البحرين المعاصر.
وفي مقدمة القضايا التي تستحق المزيد من التمعن، هي المشروع الإصلاحي الذي قاده جلالة الملك، والذي صاحبته مقولة لم يكف جلالته عن تكرارها: "الأيام السعيدة لم نعشها بعد". ففي تلك المقولة نظرة مستقبلية تمد ذلك المشروع بالحيوية التي يحتاجها. واليوم وبعد مرور ما يربو على عقد ونصف العقد على تدشين ذلك لمشروع، ربما تبرز الحاجة، وتفرض الضرورة توجيه المزيد من الاهتمام نحو ذلك المشروع، وقراءته من زوايا مختلفة، كي نبدأ ننعم بتلك الأيام السعيدة التي رآها عاهل البلاد وهو في مرحلة مبكرة من إطلاق ذلك المشروع الجريء. قد تبدو الصورة مغايرة لهذا التفاؤل في الوهلة الأولى، لكن التعمق فيها يقودنا نحو محطة انتظار تلك الأيام السعيدة.
تلي تلك القضية من بين القضايا البحرينية التي تستحق الاهتمام: مسألة منظمات المجتمع المدني، التي عانت من التهميش المنظم المقصود، والعفوي الساذج، في خضم متابعاتنا للوضع الإقليمي، فأحد صمامات الأمان الإستراتيجية القادرة على احتضان المشروع الإصلاحي، وحمايته، هي تسويره بمجموعة قوية من منظمات المجتمع المدني، القادرة على تشخيص حاجات المواطن، ووضع البرامج الصحيحة، والخطط القابلة للتنفيذ، التي من شأنها تلبية تلك الاحتياجات، وعلى وجه الخصوص الحيوية منها. وعندما نصنف السلطة التشريعية بحجرتيها كإحدى فئات هذه المنظمات، فلربما نكتشف مدى الحاجة لمد الحجرتين بالحيوية اللتين هما في أمس الحاجة لها، في هذه المرحلة بالذات.
يوصلنا هذا الجرد السريع للقضايا التي تستحق من المواطن الاهتمام الذي يدفع بها نحو الأمام، إلى مكونات التيار المدني السياسي، الذي تسيطر على قياداتها موجة عارمة من الاكتئاب، التي تكاد تصل إلى مستوى اليأس القاتل، خاصة بعد خسارته الفادحة جراء إصدار حكم حل جمعية العمل الوطني "وعد"، وإغلاق مقريها في "أم الحصم"، و"عراد". هذا التيار مطالب بوقف انجراره الكامل نحو القضايا الإقليمية، ولا نقول هجرها أو إهمالها، لإدراكنا بتأثيراتها العميقة على مجرى الحدث البحريني المحلي، والالتفات بشكل إستراتيجي نحو الشأن المحلي، على وجه العموم، وظروفه الذاتية على وجه الخصوص؛ فكل المؤشرات تقول إنه أمام فرصة تاريخية مفصلية من تاريخه المعاصر، إن هو أحسن استثمارها، وأتقن مهارات التعامل معها، فستكون بمثابة خشبة إنقاذه من الغرق في لجة الأحداث المتلاطمة التي تحيط به. ولا شك أن رحلة الإنقاذ الجادة والمجدية، تبدأ بالالتفات نحو الذات.
كل ذلك يدفع المواطن البحرين نحو قضية في غاية الأهمية، وهي أن التفاتته نحو القضايا الإقليمية خليجية كانت تلك الأحداث أم عربية، لا ينبغي أن تخلي سبيله من مسؤولية الاهتمام الذي يوليه لقضاياه الوطنية، التي تؤسس اليوم لبحرين المستقبل التي تتطلع نحوها الأجيال الشابة اليوم.
ما نلاحظه اليوم، هو خطورة الانسياب العفوي المغمور بالعواطف نحو القضايا الإقليمية، وعلى وجه الخصوص الخليجية منها، وتجاهل، ربما غير مقصود، للقضايا البحرينية المحلية.
ليس من باب الوعظ القول بأن مستقبل البحرين خلال النصف القرن المقبل، يكتب اليوم، فما نرسمه من خطط، ونضعه من برامج، سيرى النور خلال الفترة التي أشرنا لها، ومن ثم فمن يريد أن يرى البحرين مستقرة ومزدهرة، وتتبوأ المكانة التي تستحقها بين الدول المتقدمة، عليه أن يضع لبنات هذا الصرح المستقبلي في خطط اليوم، وبرامج الحاضر.