التغريدات البلهاء.. وميثاق الشرف الخليجي

مسعود الحمداني

لم يبق من الشرف إلا اسمه، ومن الميثاق إلا رسمه؛ فميثاق الشرف الإعلامي الخليجي الذي أُقر عام 1986م في أبوظبي، وتم تحديث مضامينه في العاصمة ذاتها عام 1998م، أصبح في طي النسيان، ولم يعد له وجود، خاصة بعد الأزمة (القطرية ـ الرباعية)، والهجمات الإلكترونية المتبادلة بين تلك الدول، والتي لم تترك رمزا أو حاكما خليجيا إلا وأتت عليه، وأساءت له من قريب وبعيد، ولم يسلم من هذه الفتنة أحد -كبيرا، أو صغيرا- وأخرجت أمراضا كانت محبوسة في نفوس البعض لم تكن لتظهر لولا هذه الأزمة، وإطلاق الجيوش الإلكترونية من أوكارها ومخابئها؛ لتعيث فسادا في الأعراض والشعوب، وتظهر مساحة الشرخ الذي ظل غير مرئي لفترة طويلة.

وأصبح المغردون (النكرات) يظهرون كل يوم بأسمائهم الوهمية أو الصريحة ليتطاولوا على الجميع، ولا يستثنون من نباحهم أحدا، وعاثوا فسادا في الديار، وأصبحوا أكثر من الجراثيم المنتشرة في الكون، تغذيهم أحقادهم، ويعملون تحت بصر وسمع السلطات الأمنية في بلدانهم، التي توفر لهم الحماية، ولا تحاول ردعهم؛ لأنهم يؤدون مهمة هم يريدونها لهم، بعيدا عن حرج الموقف الرسمي، غير أن تطاول الكثير من هؤلاء المغردين على "الأشقاء" في مجلس التعاون "المتهاوي" لا يخدم "لُحمة" هذه الدول، ولا حتى "عظامها"، ويولِّد البغضاء والكراهية بين الدول، ويثير الفتنة العنصرية بينها، ويترك أثره السيئ على المدى الطويل.

لم يكن هؤلاء المغردون ليتجرَّأوا على تحقير شعوبٍ ودولٍ هي جزء من منظومة مجلس التعاون لو كان هناك رادع قانوني لهم، ولم يكونوا ليتطاولوا لولا وجود تواطؤ أمني معهم، ولم يكونوا لينفثوا سمومهم لو كانت هناك مساءلة حازمة لهم من قبل دولهم، ولكن يبدو أن الأمر راق لهؤلاء النكرات، ووجدوا مرتعا خصبا يغذي أفكارهم، وأحقادهم، ووسيلة متاحة وسهلة لنشر الكراهية بين الشعوب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون رادع أو ضمير أو حساب أو عقاب، بل قد يجدون الثواب والتشجيع بشكل مباشر وغير مباشر من قبل سلطات بلادهم الأمنية، كما أنهم يحققون شهرة واسعة في حساباتهم، ويتحولون إلى أبطال من كرتون أمام بعض المرضى من أمثالهم.

كان من الأجدر بمثل هؤلاء أن يُظهروا شجاعتهم وجرأتهم في انتقاد ممارسات حكوماتهم، وإصلاح شأنهم الداخلي، والغيرة على أبناء شعبهم، ومصالح أبناء جلدتهم، غير أنهم أجبن من أن يفعلوا ذلك، وأحقر من أن يقوموا بالنبح في ديارهم؛ لذلك لجأوا لتنفيث ما في صدورهم من غلٍّ على شكل تغريدات عابرة للحدود، يطلقون فيها بنات أفكارهم دون خوف، أو قلق، لا يحسبون فيها حسابا لأحد، لأنهم في منأى عن محاسبة القانون، وفي معزل عن أيدي القضاء، بينما تكتفي الدول (المُساء لها) بوضع ذلك المغرِّد على قائمة (الممنوعين من دخول البلاد)، وما أطول هذه القائمة!

لقد أصاب السلطنة من سهام هؤلاء المغردين الجهلة والنكرات الكثير، وباتت تلك الجرذان ترتعي على الإساءات المتكررة للسلطنة ومواقفها الشجاعة، ووقفت سلطات الدول التي ينتمي لها هؤلاء المغردون مكتوفة الأيدي، تتفرج على ردَّات أفعال الطرف الآخر من مغردي السلطنة، والذين فضَّل أكثرهم الصمت بدلا من النزول إلى مستويات من الكلام البذيء والساقط، تأسيا بقيادة بلدهم، وترفعا عن مثل هذه الصغائر، وتجاهلا عن مثل هذه التغريدات التي تدل على جبن صاحبها ووضاعته لأنه يصدر من "مجهول" لا يُرى بالعين المجردة.

مرة أخرى نتساءل: أين ذهب ميثاق الشرف الإعلامي الخليجي؟ وأين ذهب صانعوه؟!

لعل السؤال بات ساذجا؛ فالأموات لا يعودون للحياة مرة أخرى.. تماما كالشرف وميثاقه

Samawat2004@live.com.