شاهدُ عيان على واقع الدروس الخصوصية

عيسى بن علي الرواحي

كان الحديث معه شائقا، ومثريا بالمعلومات الكثيرة حول واقع الدروس الخصوصية، خاصة وأنه رجلٌ مثقف مطلع كثيرا على هذه القضية، وغيورٌ على أبناء بلده وتهمه مصلحتهم إلى أبعد الحدود، ولديه معلومات وشواهد لا حصر لها تخص تعامل المجتمع من آباء وأبناء مع الدروس الخصوصية، وقد وجدت ارتياحا كبيرا في الاستماع إليه، وتبادل أطراف الحديث معه، والاستفادة منه؛ لذا رأيت لزامًا أن أدونَ حديثه الثري في مقال يطلع عليه كل من يعنيه الأمر، مع الإفادة بأن صاحبي العزيز هذا ليس من العاملين في السلك التربوي.

لقد أوضح لي أنَّ واقع الدروس الخصوصية في محافظة مسقط تحديدا قد استفحل أمره أكثر مما توقعت، وأبلغ مما كتبت، وباتت من الضروريات والأساسيات التي يتحدث عنها الآباء، وليس من المكملات.

بل صار الاعتماد الأساسي وفي المقام الأول عند كثير من الطلاب على الدروس الخصوصية؛ فيما أصبحت الحصص الدراسية بالمدارس أمرًا ثانويًا.

وقد أصبح لدى ولي الأمر هاجس كبير في أهمية أن يحقق ابنه نسبة مرتفعة، ويرى أن الدروس الخصوصية من بين الأدوات المهمة التي لابد أن يوفرها لابنه، ولا يستطيع المجازفة في التخلي عنها؛ لما يؤمن به من أهميتها الكبيرة في رفع نسبة النجاح.

يؤكد صاحبي أنه ليس مع الدروس الخصوصية ويتفق مع أنها ظاهرة ستؤثر على العملية التعليمة، كما اتفق معي إلى حدٍ كبير فيما طرحته في المقالات السابقة، ولكنه يبين في ذات الوقت أنها تسهم بشكل كبير في تمكين الطالب من المادة العلمية بشكل أفضل من المدرس الحكومي في كثير من الأحيان؛ لأسباب عدة تتمثل في أن المدرس الحكومي يواجه عامل الوقت ولا يستطيع أن يثري الطالب بالأنشطة والتدريبات التي يقوم بها المدرس الخصوصي، كما أنَّ بيئة الدروس الخصوصية أكثر ملاءمة لما تتسم به من الهدوء وقلة الطلاب، والرغبة الجامحة من الطالب في الاستفادة من معلمه الخصوصي؛ فقد دفع مبلغًا من المال مقابل ذلك.

 

تناقشنا بإطناب في المحامد التي ذكرها عن الدروس الخصوصية، وقد أشرت إلى بعضها في المقالات السابقة، ولكننا اتفقنا أنه في حال اهتم الطالب بالحصة الدراسية اهتمامًا بالغًا، وصارت لديه الرغبة نفسها في الفهم والاستيعاب التي توجد مع الدرس الخصوصي، واجتهد في البيت كثيرًا في المذاكرة والمراجعة، وأوجدت الجهات المعنية بوزارة التربية والتعليم آليات وطرقاً لتوسيع نطاق حصص المواد العلمية، وتمَّ البحث عن أفكار لدروس تقوية مسائية بالمدارس وتطبيقها، إضافة إلى دعوة معلمي الثاني عشر إلى بذل جهد أكبر وعطاء أعظم في إثراء أبنائهم الطلاب خاصة في المواد العلمية وما يتعلق بها من أنشطة وتدريبات؛ فإنَّه لا ينبغي حينها أن يوجد أي مبرر للجوء إلى الدروس الخصوصية لطالب منتظم في المدرسة، وعلى أولياء الأمور أن يتحملوا مسؤولية الوعي بهذه الأمور.

وفيما يخص واقع الدروس الخصوصية والمعلمين الخصوصيين فيذكر صاحبي أنَّ هناك أرقاما قد لا تصدق فيما تشكله الدروس الخصوصية من دخل كبير لأصحابها، وأن الأمر يذهب في ازدياد، كما أنَّه يتفاوت من معلم لآخر، لكن الأسماء اللامعة من المعلمين ـ على حد وصفه ـ والتي يتزلف إليها أولياء الأمور كثيرا ويتوددون في قبول أبنائهم بمجموعات الدروس الخصوصية لديهم، فهذه قد يشكل دخلها شهرياً ما يتجاوز اثني عشر ألف ريال شهريا.

أعلم جيدا أنَّ مثل هذا الرقم قد يبدو صادمًا لكثير منا، كما أنَّه قد لا يصدق من آخرين، لكن الواقع الحالي هكذا يتحدث عن الدروس الخصوصية.

ومن المؤسف أيضًا أن تصبح مرافق بعض المساجد بيئة خصبة لإقامة الدروس الخصوصية، نعم الدروس الخصوصية مدفوعة الأجر ولست أعني دروس التقوية التي يقوم عليها بعض المعلمين تطوعا ـ جزاهم الله خيرا ـ في بعض المساجد.

الدروس الخصوصية أصبحت على شكل مجموعات قد يصل أفراد المجموعة الواحدة إلى عشرين طالبًا، وكثير منها اثنا عشر طالبا، وبعضها يتفاوت من خمسة إلى عشرة طلاب، والحصة الواحدة تستمر مدة ساعتين، والطالب يدفع للحصة الواحدة عشرة ريالات، وهناك من يطلب مبلغا أكبر من ذلك يصل إلى خمسة عشر ريالا.

في معادلة حسابية متوسطة تستطيع الأسماء اللامعة من المعلمين الخصوصيين أن تعقد في كل يوم من أيام الأسبوع الدراسية الخمسة ثلاث حصص بمعدل ساعتين لكل حصة، وعلى افتراض أن يكون في كل مجموعة اثنا عشر طالباً وكل طالب يدفع عشرة ريالات فقط، فإن دخل اليوم الواحد يصل إلى (360) ريالا، ومجموع خمسة أيام يصل إلى ألف وثمانمائة (1800) ريال.

 

أما يوما الجمعة والسبت فمن السهولة أن يعقد المعلم الخصوصي اللامع الذي يتُزلف إليه كثيرا من قِبل الآباء خمس حصص دراسية؛ ليكون دخل اليومين ألف ومائتي (1200) ريال، وهذا يعني أن دخل الأسبوع الواحد ثلاثة آلاف ريال.

لقد ذكرت أن مبلغ ثلاثة آلاف ريال عماني دخلا شهريا للمدرس الخصوصي، لكنَّ الأسماء اللامعة من المدرسين الخصوصيين فيعتبر هذا الرقم دخلا أسبوعيا لها.

أعلم أنَّه قد يساء بنا الظن في التطرق إلى مثل هذه الحسابات من زوايتين ضيقتين تتمثل الأولى في أنها أرزاق ساقها الله لأناس لا يحق لنا أن نعترض عليها، وأن اعتراضنا على ذلك يُعد حسدا من عند أنفسنا، والزاوية الأخرى أنه لا يدفع هذه المبالغ إلا مقتدرٌ أو عن رضا نفس، ولا دخل لنا بذلك فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه!

لكننا نعيد القول بأننا نتحدث عن ظاهرة مجتمعية وقضية تربوية نؤمن بأنها تعني الجميع، وكل غيور على وطنه، وأنها ظاهرة تؤثر سلباً على المنظومة التعليمية في هذا الوطن العزيز، وإذا كان لا يحق لنا أن نمنع أو نعترض على هدر تلك الأموال من جيوب آبائنا الكرام، فمن واجبنا تبصيرهم بحقائق الأمور في هذه القضية من كافة الجوانب، ويبقى الأمر مرهونا بأيديهم... والله المستعان.