عبيدلي العبيدلي
اجتاحت أخبار السعودية محتوى وسائل الإعلام العربية والدولية، بل وحتى المحلية. وتعلقت أنظار المُتابعين السياسيين بما سوف تتمخض عنه تطورات القرارات والإجراءات التي أقدمت عليها "لجنة مُكافحة الفساد"، التي شكلت برئاسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ولا يختلف اثنان على أهمية الحدث السعودي، نظرًا لما تتمتع به المملكة من مكانة على المستويات الخليجية والعربية، بل وحتى الشرق أوسطية.
لم يكن المتابع البحريني بعيدًا عن تلك الموجة العارمة من المُتابعات. ففي خضم ذلك "الطوفان السعودي"، تراجعت إلى الخلف كثيرًا أخبار البحرين، وتراجع معها متابعات المواطن البحريني لما يعيشه وينتظره، وفي المقدمة منها انتخابات 2018، التي بدأت تأخذ حيزا من الاهتمام عندما أعلنت جمعية المنبر التقدمي، عن عزمها خوض تلك الانتخابات.
انقسم المتابعون لتلك الخطوة إلى ثلاث فئات رئيسة:
الأولى منهم تلك التي يمكن وضعها في خانة اللامبالية، انطلاقًا من موقف يائس يرى أنَّ المشاركة وعدم المشاركة سيان، فليس في وسع أي مجلس قادم أن يقوم بالحد الأدنى من الإصلاحات المرجوة، وبالتالي فالمشاركة أو عدم المشاركة لا يعني أي شيء لهذه الفئة التي تصر على الوقوف على خطوط المشاهدين غير المُنفعلين. يستحضر هؤلاء الكثير من الشواهد التي تعزز وجهة نظرهم هذه، التي تمعن في جلد الذات، وجلد الجمعيات السياسية معها.
الثانية التي ذهبت إلى توجيه نقد لاذع للمنبر التقدمي، انطلاقًا من خطأ توقيت المنبر التقدمي لخطوته هذه التي جاءت مباشرة بعد قرار المحكمة بحل جمعية "وعد" الحليف الاستراتيجي لجمعية المنبر التقدمي. فكان حريًا بهذه الأخيرة، من وجهة نظر هؤلاء، أن تتريث قليلاً كي يجف حبر قرار "الحل"، قبل الإعلان عن قرار المشاركة.
الثالثة هي الفئة التي دافعت بشكل مُستميت عن موقف المنبر، وشنت حملة مضادة لما ذهبت إليه الفئة الثانية، واعتبرتها تنطلق من إرث تاريخي قديم يعود بعقارب الساعة للوراء، ويثير خلافات يفترض أن تكون في طي كتب التاريخ لا أحداث الحاضر.
فئة رابعة ما تزال خانتها فارغة، وهي أنه بغض النظر عن صحة أم خطأ موقف جمعية المنبر، فهو اليوم أصبح حقيقة قائمة، ومن ثم فالسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: ما هو الموقف الصحيح الذي ينبغي أن تتخذه الجمعيات، بما فيها "المنبر التقدمي" التي لم يشملها قرار "الحل"، وأفراد الجمعيات الذين كان من نصيبهم حل جمعياتهم؟
الخطوة الصحيحة ينبغي أن تأتي من جمعية المنبر ذاتها، فهي التي بادرت وأقدمت على الإعلان عن عزمها على المشاركة. فهي دون سواها من الجمعيات الأخرى، مطالبة بالخطوات التالية:
- عدم الإنجرار وراء ردة فعل سلبية تجاه مواقف القوى الأخرى، والإسراع إلى الاتصال بالجمعيات والأفراد لشرح الدوافع والأسباب التي "أرغمتها" على الإعلان عن موقفها وفي هذا الوقت بالذات.
- أن تبادر، طالما تحملت قرار الإعلان عن المشاركة، إلى صياغة مسودة برنامج عمل وطني تفصيلي، تلتزم به مع من سوف يُوافق عليه، يعالج الاحتمالين: نجاح أعضائها أم من يتحالف معها في الوصول إلى قبة البرلمان، فشل أي منهم في تحقيق ذلك الهدف.
- الدعوة إلى لقاء، كي لا نقول تأسيس، يجمع من تراه "المنبر التقدمي" قادرا على أن يدلو بدلوه في تنقيح تلك "المسودة"، كي تنال الإجماع الذي تحتاجه لمواجهة أي من الاحتمالين.
- استقراء الحالة السياسية التي ستشهدها البحرين، في حال، بسبب الظروف التي ستفرضها مخرجات التطورات التي تعصف بالمنطقة العربية، ومن ضمنها منطقة الخليج العربي، اضطرار الدولة، تحت أية مبررات إلى تأجيل موعد الانتخابات.
بالمقابل، وعلى نحو مواز، على الجمعيات التي ما تزال تمارس أنشطتها أن تبادر هي الأخرى، فتأخذ موقفا إيجابيا من مبادرة جمعية المنبر في حال تبنيها والدخول معها في حوارات تفصيلية حول مسودات البرامج التي ستتقدم بها لذلك اللقاء، فيعمل الجميع تحت مظلة ذلك اللقاء، الذي، إذ قدر له أن يخرج بالبرنامج الوطني المطلوب، سينقل العمل السياسي البحريني نقلة نوعية إلى الأمام، تبيح له الاستفادة القصوى من هوامش الحريات التي يضعها بين يديها ميثاق العمل الوطني، سوية مع المرتكزات الأخرى التي يتسند عليها المشروع الإصلاحي.
أخطر ما ينتظر المشهد السياسي البحريني في المرحلة القادمة، هو تخندق كل جمعية أو أفراد الجمعيات التي شملها حكم "الحل"، في موقفها من "إعلان المشاركة"، والدخول في مهاترات صبيانية بين بعضها البعض.
حينها سوف تستنزف الطاقات في مهاترات غير مبررة، بل ربما تستحق التجريم، كونها تدخل الشارع البحريني المسيس، في خلافات عبثية تستهلك طاقاته، وتمزق إمكانياته، وتتيح للآخرين ممن يتحينون فرصًا مثل هذه، كي يتقدموا الصفوف، وينالون ثقة المواطن البحريني، الذي لن يكون ملاما حينها عندما يمنحهم تلك الثقة، نتيجة خلو الساحة من آخر سواهم.
الوضع الحالي في غاية التعقيد، والقادم لن يكون أقل تعقيدًا، فالمنطقة حبلى بالتغييرات التي لن تكون بالضرورة لصالح توسيع هوامش الحريات، وتعزيز المشاركة الشعبية، بل منطق الأمور، دون الدخول في نفق نظرات سوداوية، لا تنبئ بما يتمناه الكثير من قيادات العمل السياسي البحريني.
بقيت قضية في غاية الأهمية، وهي السلبية غير المبررة، فالعمل السياسي الطليعي هو الذي يستطيع أن يقود شارعه في مرحلة ارتفاع الموج وهبوب الرياح العاتية، وحدهم المتطفلون، هم الذين يبرزون عند استباب الأمور، وعدم الحاجة للتضحية.
البحرين بحاجة لأبنائها البررة، الذي لا يعميهم الاختلاف في الرأي عن رؤية الصورة الكاملة، ولا تغرقهم التفاصيل في المياه الضحلة.
وكي لا ننسى البحرين، علينا ألا ننجرف وراء الحدث الإقليمي على حساب المشهد الوطني، الذي يجب أن يتربع على أولويات المهمات الملحة الآنية قبل المستقبلية.
لن يسامحنا التاريخ عندما ننسى البحرين ونضعها في أسفل درجات سلم أولوياتنا.