"لا يَليقُ بِي.. إليكَ تقريبًا" بَحثٌّ عن زمنٍ ثالث

سهى عبُّود - سوريا


ارتقى الأدب المغاربي بملابسات وتغييرات في البناء والدلالة منذ فجر الاستقلال. لكن حدة هذا التغيير والتجديد بدأت تتبلور بوتيرة متسارعة مع العصر الرقمي.... بظهور مدارس تتبنى التغير والتطوير والتجديد... على مستوى المفهوم والبناء... ليستعيد الأدب المغربي نشاطه وحيويته مع حركة البعث والإحياء التي أخرجته من براثين الابتذال والاجترار...
النص الذي بين أيدينا تجربة من تجارب الشاعرة - عُليَّة الإدريسي البوزيدي-  مع الرؤيا والاستشراف، فما هي مظاهر الرؤيا في النص، وكيف تفاعلت المكونات الفنية لبلورتها وصياغتها؟
إنها من الأقلام التي أجدني مسطورة بين حروفها... أستغور وأنقب خمائلها الوارفة وأرتاح بين سهول معانيها.. فالعنوان عبارة عن مبتدأ الرؤيا الغامضة والعميقة للمداد على شفا البوح (لا يليق بي)، وشبه جملة في سياق الظرف المعين للبوح النسائي الرافض لاشياء ممنهجة ويصعب الكلام في مجتمع ذكوريّ يُسلط قانونه وأعرافه على كل ما هو أنوثي..
تنساق عُليَّة الإدريسي بين ظرف معين لتثور بحوافر النبض العاشقة المتسائلة بمتون متوهجة بين حروف الذات. فإلى أي حد يعكس العنوان مضمون النص؟
نقلتنا عبر صور فلاش باك/ وبجمل متقطعة، لكنها مربوطة بمسد الاستنكار والشجب من خلال إيحاءات تصب كلها في رفض واقعها.. ابتداءً من العنوان (لا يليق بي .. إليك تقريبا)، وهي التي انقادت وراء عاطفتها وهواها... إذاً هنا كانت أهميّة العنوان بالنسبة لهذا النص...
إنها لحظة باذخة لا يعرفها غير العاشق أو المتصوف وهو يبحث عن زمن ثالث يوقف زحف الرغبة في الحلول خارج رقابة الجسد/ الذات...
لقد دخلنا عتبة النص بمعرفة مسبقة بأن بطلته كانت يوما ما بحالة (صراع مع النفس/ الكرامة وبين الشرف/ القبيلة وبين "الضُّرة" المرأة الوافدة الجديدة/ الرجل واختياراته الشَّهوانيّة التي تؤدي إلى سؤال الانتماء والنضج لها وللرجل ولو بشكل ضمني)...
تتعثر الذات في تفاصيلها، تدخل في صراع مع نوازعها الدفينة وهي تحاصرها في نفق قيوده غياب باعث النشوة الروحية التي تعيد نشر الحياة في بقية الأوردة... بسؤال سراب الحب...
لغة عميقة ليِّنة سهلة، لا صعوبة فيها ولا صلابة. تنفخ فيها سخونة المعايشة طابعا ناريا يتولد من خلال بنية التعارض بين الأماني والانكسار الذي يكتسح الذات من الداخل/الخارج المرتبط بالرجل وتناقضاته الذفينة..
تقف على ناصية النص وتناصبه العداء فننهل نحن بين الرؤيتين نصا إبداعيا برؤية نقدية ساخرة رائعة مفتتة... بينما هي اليوم تتجرع كأساً من علقم الذكرى الميّتة والوعود الجوفاء...
قدرة إبداعية ساحرة أن تتحول الحروف لسهام تنفثُ السُّم حيناً، وحيناً أخرى تزرع في دم السطر للغير ترياقًا بسؤال استنكاري هو جوابها الضمني على واقع مثخن بالذكر (لا يليق بي)... شامخ حرفك كجبل... عذب كينبوع... متلون كالسماء... مزهر كغابات الهداية.... لامع كنجم في محيط التيه... الحرف ترياق فعلا.. فيه شفاء للمبدع قبل القارئ. يقرأ أناء السطر وأطراف الجمل...
أجزم أنها من روائع الأدب المغربي المعاصر بأظافر طويلة صقيلة تخدش وتوشم لوحة من كلمات لا مثيل لها في الرفض الراقي، بعيدا عن اجترار مظلومية النساء..
 سـَلـُمَ البنان والبيان، أيتها الشاعرة الأستاذة المتألقة عُليَّة الإدريسي البوزيدي. لك كل التألق سيدتي الأستاذة مع خالص تحياتي ومودتي الأدبية و الشعرية...
أخيرا اعتذر عن سرعتي في كتابة هاته الأسطر التي حتما لن تفي في حقك كل التقدير.. شكرا لكِ.. وللناقد محمد علوط الذي أعطاني فرصة لقراءة نوع آخر من قصائد الرفض والثورة على المألوف والأجمل أنها بتاء التأنيت هاته المرة..
تقديري لكما وعطور من الياسمين الدمشقيّ لأدباء بلد الألف وواحد مغارة..
..............................
نصُّ: "لا يليق بي.. إليك تقريبا"
عُليَّة البوزيدي الإدريسي – المغرب
لا يليق بي أن أكون في حضنك وأنا أشتم فيك رائحة عطرها
لا يليق بي أن أكون قبلة وفي فمك قبلتها
لا يليق بي أن أكون فيك محطة وأنت تربي رعشاتها
لا يليق بي أن أكون فتحة وأنت تتسلق فيِ ضمورها
لا يليق بي أن أكون بحيرة وأنت تروي سرابها
لا يليق بي أن أكون فيك غيمة وأنت تظمأ في  شتاءها
لا يليق بي أن أكون فيك سقفا و هي في غرفة النوم
لا يليق بي أن أكون فيك حضنا و خصرها في فرجة عينك
لا يليق بي أن أكون فيك شهوة وهي غمستك بالطيور
لا يليق بي أن أكون جمالك وحاجبها تساقط على خدك  
لا يليق بي أن أكون قمحة عشيقة وفي حقلك شمس عاشقة
لا يليق بي أن أكون ضالة فيك و أنت الزاهد فيها
لا يليق بي أن أكون كاملة فيك و أنت داخل كراستها وشوشة
لا يليق بي أن أكون حقيبة سفر وأنت صباحا إلى عنقها
لا يليق بي أن أكون ساعة عطش وأنت ترعى فيضانها
لا يليق بي أن أكون رصيدا وأنت في حبها شامة
لا يليق بي أن أكون وسادة وأنت على جدارها معلق
لايليق بي أن أكون نديمة كأس وأنت تمسح عرقها
لا يليق بي أن أكون جائعة حب و أنت في كأسها زجاجة ويسكي تثمل
لا يليق بي أن أكون ليلك وأنت تربط على قلبك نهارها
لا يليق بي أن أكون ساعة وأنت ترغب أن تكون مكاني
لا يليق بي أن أكون على الشاطئ وأنت غارق في عرضها
لا يليق بي أن أكون امرأة و أنت عائد من حنين
لا يليق بي أن أكون نافذة وأنت في صدرها تعربد
لا يليق بي أن أكون حانة وأنت في عطفها يائس
لا يليق بي أن تملأني بماء فكر بها
لا يليق بي أن اترك قلبي فيك
لا يليق بي أن امسح عن حزنك غيابها وأنت مصاب بالاشتياق
لا يليق بي أن أكون رقم احتياط وأنت لا تلعب إلا بأعجوبة  
لا يليق بي أن أكون طريقا وأنت تتصفح بشكل عابر قدمي
لا يليق بي أن أكون شمعة وأنت إليها تزحف في الضوء
لا يليق بي أن أكون هاوية وأنت في كهفها اخضرار
لا يليق بي أن أكون حفرة وأنت تدخن وراء الباب
لا يليق بي أن أكون رقما في الزحام وأنت تحرق فيك كل أثري
لا يليق بي أن أكون ميتة و أنت تلتقط خلفها أنفاسك
لا يليق بي أن أحبها فيك وأنت اسمي صدفة
لا يليق بي أن أكون خيانة وأنت ببيتها لا تدرك نفسك
لا يليق بي أن أنتظر رجلا
ليس عادلا قمحه
لا يليق بي أن أنتظر رجلا
مهزوما
في قمحها...

تعليق عبر الفيس بوك