المعتصم البوسعيدي
تُعرّف صناعة الفسيفساء بأنها "فن وحرفة صناعة المكعبات الصغيرة واستعمالها في زخرفة وتزيين الفراغات الأرضية والجدارية عن طريق تثبيتها بالبلاط فوق الأسطح الناعمة وتشكيل التصاميم المتنوعة ذات الألوان المختلفة"، ويستخدم في صناعتها خامات مختلفة كالحجارة والزجاج والمعادن، ومعرفة الإنسان بها تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وهناك أعمال شهيرة بالفسيفساء لعلّ أشهرها على الإطلاق "خارطة مادبا" التي أنشئت عام 560م وتوجد داخل كنيسة القديس جوارجيوس في المملكة الأردنية الهاشمية.
يقودنا هذا الفن الجميل إلى مُحاولة رؤية رياضتنا العُمانية من خلاله، وكيف يمكن أن تكون صناعتها ذات فسيفساء تبعث الأريحية والرضا على ضوء الأحداث الأخيرة؟! أحداث ـ ربما ـ تعطينا مؤشرا واضحا للإجابة على هذا السؤال؛ كالحراك الحاصل في الرياضة المدرسية، وندوة الرياضة الجامعية، والجلسة الحوارية عن الرياضة العُمانية بمجلس الشورى، ثم تصريحات عبد الرزاق خيري، وصولاً لأحداث مباراة النهضة والسلام، والحديث القديم المتجدد عن واقع أنديتنا، مع مشهد أخير مؤلم؛ حيث الخسارة القاسية لمنتخب الشباب لكرة القدم في مستهل التصفيات الآسيوية، مؤشرات سلبية لا تخلو من الإيجابية التي تبرز في الرغبة الحقيقية لحل معضلة الرياضة.
قد تتفق الأغلبية إن لم يكن الجميع على "وهن" الرياضة العُمانية، لكننا لا ننكر ـ في الوقت ذاته ـ وجود أشياء يمكن البناء عليها لتطوير هذا القطاع المهم للمجتمع والوطن بشكل عام، ونحن نعيش فرحة نوفمبر المجيد، لحري بنا الشد بيد بعضنا البعض لتطوير الرياضة بما يحقق طموحاتنا وثقة مولانا المعظم ـ أعزه الله ـ الداعم الأول للرياضة والرياضيين وشباب هذا البلد العزيز، وعلى ذلك أقول إن رياضتنا مليئة بالفراغات مع امتلاكنا لفسيفساء مبعثرة تحتاج من يلملمها، ويشكل منها لوحة إبداعية راقية، دون أن يكون ذلك محصورًا في الشخوص، بل في الفكر والغاية التي تجمع كل الأطراف المعنية بالشأن الرياضي والشبابي على حد سواء.
ما خرجت به الندوات والجلسات الحوارية يجب أن يوضع في جدول تنفيذي عملي، مع مراعاة الاستفادة من تجارب الآخرين والتفكير الإبداعي الذي يحرك البنى التحتية الجامدة إلى حياة؛ وذلك بإيجاد بيئة رياضية في مجمعات تتوافر فيها كل متطلبات الملاعب الحديثة، إضافة للاشتغال الكبير على "صياغة جديدة" للأندية وعملها الإداري على وجه الخصوص، علاوة على تحديد الأولويات والتركيز على الرياضات التي من خلالها نستطيع الوصول للعالمية، كل هذه الأشياء توضع موضع التنفيذ باستصدار قرار حكومي جريء يضخ ميزانية "محترمة" للاستثمار الرياضي الذي لم يعد مطلبًا في حقيقة الأمر، إنما أمرًا لا مفر منه إذا كنا نسعى لتطوير هذا القطاع.
أختم بهذه القصة.. يُحكى أن مواطناً بلجيكيًا دأب طوال عشرين عامًا على عبور الحدود نحو ألمانيا بشكل يومي على دراجته الهوائية حاملاً على ظهره حقيبة مملوءة بالتراب، وكان رجال الحدود الألمان على يقين بأنَّه " يُهرب " شيئًا ما ولكنهم في كل مرة لا يجدون معه غير التراب!! واصلوا مراقبته لمحاولة القبض عليه بأي تهمة، لكن دون فائدة. السر الحقيقي لم يكشف إلا بعد وفاته؛ فقد وجدت زوجته في مذكراته الجملة التالية: "حتى زوجتي لم تعلم أنني بنيت ثروتي على تهريب الدراجات إلى ألمانيا!!" للأسف رجال الحدود كانوا على يقين واحد ولم ينتبهوا لتفكير هذا الرجل "غير التقليدي"، لذا أتمنى أن نُدرك غايتنا الأساسية وكيفية الوصول إليها، فالفسيفساء مبعثرة والفراغات كثيرة، وكذا حلولنا التي دون قرار كبير ستكون كالمثل العُماني "كأنك تغبر سَمه"!!.