حميد السعيدي
التغيير يتبعه تحقيق النجاحات، وكلاهما لا يمكن أن يتحقق عبر الطرق الممهدة، وإنما لابد أن يسبق ذلك عمل جاد ومخلص من أجل الوصول للغاية السامية والنتائج التي ترضي الطموح، وكلما كانت مصلحة الوطن هي غايتنا في العمل، فبكل تأكيد سنكون قادرين على تحقيق النجاحات والاحتفال بها. وما يشهده العالم اليوم من تغيرات متسارعة، وربما تسابق أيضا في الوصول إلى القمة، هو نتيجة للتخطيط الجيد، والتنفيذ الحقيقي لكل الرؤى والأفكار، والمتابعة الفاعلة والقراءة المستقبلية؛ لذا هم يحققون النتائج، ويتسابقون من أجل الإنجازات، وفي الوقت ذاته تظهر دول من القاع لتحارب من أجل أن تكون مرافقة، أو ربما تتجاوز من سبقها بعقود؛ مما يعني أن الوصول للقمة ليس حكراً على فئة أو دول بذاتها، ولكنه محصور بالعقول والإرادات الحقيقية التي تبتغي الإنجاز؛ فقد تسقط اليوم، ولكن عليك أن تنهض من أجل تواكب الركب وتكون بجوارهم لا خلفهم.
وإذا كُنَّا نبتغي المستقبل لهذا الوطن؛ فهو لن يعُبر إلا عبر بوابة المدرسة، ونتيجة لكل النتائج والدراسات التي أجريت حول الواقع التعليمي، فقد أصحبت عملية التغيير مطلباً وطنيًّا؛ فنحن بحاجة إلى التغيير والتطوير بما يمكن المدرسة من تحقيق رؤية هذا الوطن؛ لذا فهناك ثلاثة عناصر رئيسية يجب أن يتم تطويرها وفقا لما وصل إليه العالم في النظريات الحديثة؛ وهي: المناهج والمعلم والتقويم، كلها تعمل في ذات المسار من أجل ذلك الطالب الذي يمثل لنا مستقبل عُمان، ولا يمكن أن نطور عنصرا دون أن يكون الآخر يتعرض لذات التطوير؛ لأنها مترابطة فيما بينها.
ومن أحدث النظريات التي تتعلق بعملية التطوير بما يتلاءم مع الفكر الحديث الذي يركز على بناء المعرفة ومهارات التفكير، تأتي النظرية البنائية بمبادئها الفاعلة كأحدث نظرية قادرة على تحقيق تلك الرؤى؛ وذلك لأنها ترتبط بفكر الطالب وتعمل على الارتقاء بمهاراته وقدراته، بما يمكنها من خلق كفاءات وقدرات عقلية قادرة على الابتكار والإبداع، أضف إلى ذلك أنها قادرة على مواكبة التطور الذي يشهده العالم، خاصة في ظل عصر الانفجار المعرفي والتكنولوجي؛ حيث ترك مبادئها على أن الطالب مسؤول عن عملية بناء المعرفة، كما يجب أن تكون العملية التعليمية نشطة وهادفة وغرضية، تحقق النتائج التي يجب أن تكتسب لدى الطالب، كما أنها تركز على المواقف المحيرة التي توجه الطالب نحو التفكير العميق بحثا عن الحلول والتفكر بها؛ مما يكسب الطالب مهارات التفكير المتنوعة، كما أنها تركز على الحوار الاجتماعي الذي يؤدي لتجويد عملية التعلم من خلال اعتماد الطلاب على بعضهم في الوصول إلى المعرفة الجديد. أما المعرفة السابقة، فهي جزء أساسي في عملية التعلم سواء هذه المعرفة على شكل صور مظاهر متعلقة بذهن الطالب، أو معرفة مكتسبة نتيجة للقراءات الخارجية، فالارتباط بها يسهم في تقريب فكر الطالب نحو التعلم. ويمكن اليوم تطوير المناهج بما يتلاءم مع هذه النظرية من خلال التخلي عن الكتاب المدرسي؛ بحيث نوجد مدرسة بدون كتاب، ونركز على بناء المعرفة لدى الطالب بالاعتماد على ذاته واستغلال لمصادر المعرفة المتنوعة، "فقد تغيرت نظرة العالم تجاه العملية التعليمة، فلم يُعد نقل المعرفة للمتعلم هو منطلق العملية التربوية، ولم تُعد تلك النظرة السلبية تجاه المتعلم بأنه عبارة عن وعاء فارغ يتوجب ملئه بالمعلومات والمعارف، وإنما أصبحت النظرة الحديثة تجاه المتعلم وبنائه الفكري وقدراته العقلية المتنوعة"؛ لذا فإن بناء المنهج من خلال الاعتماد على الخبرات المباشرة وغير المباشرة التي يمنحها المعلم للطالب في الموقف الصفي من خلال العمل على تبني مواضيع هادفة تحقق أهداف المنهج؛ بحيث ينطلق المعلم من موضوع معين ويحدد لها الأهداف والنتائج المتوقعة، ثم يعمد على تحديد معايير قياس التعلم، وينطلق من خلال أنشطة التعلم التي تركز على أساليب حديثة في التعلم؛ بحيث يضع الطلاب في مواقف محيرة تدفعهم للتفكير في البحث عن الحلول والوصول للنتائج المرجوة، وخلال هذه العملية يتخلص من الاعتماد على المعلم وعلى نقل المعرفة وتلقينها إلى بنائها بقدراته الذاتية، وبتوجيه من المعلم الذي يصبح دوره مصمم ومرشد للعملية التعليمية، ثم يعمل على تطبيق أنشطة تقويم تقيس التعلم، وتعلم على تقديم التغذية الراجعة، هذه الملخص لسير عملية التدريس، يحتاج إلى تطوير المناهج الدراسية بحيث تركز على مواضيع دراسية وأنشطة تعلم، ويترك للمعلم الحرية في التخطيط لعملية التعلم ونمذجة التعليم؛ بحيث أن قياس هذه النجاح يتم من خلال قياس النتائج التي تحققت لدى الطلاب، وليس من خلال مشاهدة المعلم أثناء عملية التعلم، وهذا هو الفارق في عملية التعلم بين التقليدية والبنائية؛ فصانع المنحوتة الخشبية لسنا بحاجة لمشاهدته أثناء النحت، وإنما علينا الحكم من خلال روعة المنحوتة ومدى تطابقها مع المعايير، هكذا بالنسبة لتعلم البنائي يقاس من خلال مخرجات التعلم وماذا اكتسبت من مهارات عقلية متنوعة؛ لذا فإن نظام التقويم يجب أن يتغير من اعتماده على الكتاب وتركيزه على حفظ المعرفة، إلى قياس عملية التعلم من خلال عمليات التفكير والمواقف المحيرة التي يجب وضع الطالب فيها؛ بحيث يقيس مدى امتلاكه للمهارات، بعيداً عن قياس تعلم الكتاب المدرسي.
أمَّا الكتاب المدرسي، فعليه أن يتحول إلى كتاب للأنشطة يبقى بالبيت ويعين الطالب على استذكار بعض المهارات، ويعمل على التدرب عليها من خلال التعلم الذاتي، وبالاستعانة أو بالرجوع للمعلم للتأكد من مدى تحقيقها لهذه الأنشطة. أما مصادر المعرفة، فيجب أن تكون متنوعة من الكتب والمواقع التعليمية، ومن خلال تطبيق التعلم الإلكتروني على الطلاب بتوفيرها عبر شبكات الإنترنت؛ بحيث يدفع الطالب للتفاعل والقراءة والاطلاع والتعامل مع زملائه بين الفينة والأخرى؛ من خلال توظيف هذه النوع من التعلم، والذي يسهم في إكساب الطلاب مهارات الحوار الاجتماعي، والتعاون واحترام الرأي والرأي الآخر، ومهارات التحليل والاستخلاص والاستقصاء...وغيرها من مهارات القرن الحادي والعشرين.
إذن؛ نحن بحاجة لتغيير عملية التعليم، ولسنا بحاجة في الوقت ذاته للبحث عن الخبرات الدولية في تطوير تعليمنا، فالوطن يضم الكفاءات الوطنية القادرة على إدارة عملية التطوير، والمشاركة في تصميم عملية التعليم وفقا لأحدث ما توصل اليها العالم، علينا أن نمنحهم الثقة ثم نقيم ما يقومون بإنجازه، فعندما صعدت سنغافورة خلال فترة وجيزة قالوا نحن صعدنا بأنفسنا من خلال بوابة المدرسة، نعم نذهب لهم، ولكن من أجل أن نتدرب على ما تم إنجازه، وليس من أجل مشاهدته، فالوطن بحاجة للكفاءات أكثر من حاجته للأسماء.
Hm.alsaidi2@gmail.com