الإجادة الإعلامية.. والعودُ أحمد!

هلال الزيدي

خبر صحفي يشد الانتباه كونه حقق سبقاً عالميًّا، ومقال صحفي نال استحسان القراء بنسبة كبيرة كونه ناقش قضية مصيرية بأسلوب يرتقي بالكتابة وذائقة الرأي العام، وتحقيق صحفي يستقصي ويتحرى الدقة والموضوعية بحثاً عن الأسباب والمسببات ليضع العلاج للمهتمين، وحديث صحفي وحوار يبحث عن أخبار ومعلومات جديدة ويشرح وجهة نظر معينة، وتصوير صحفي يأتي في قالب فني يعطي الصورة أبعادها الحقيقية لأنها نصف الموضوع.

تلك فنون صحفية تحاول أن تبقى في ظل خروج الصحافة عن مقص الرقيب الذي يعطي الآخرين ما يريده "المسؤولون" إلى صحافة الجميع؛ فالكل أصبح صحفيا أو مصدرا للمعلومة، إلا أن هناك من يتمسك بأحقيته بأن يكون المصدر الأكثر مصداقية، وهذا ما يقدمه الأكاديميون في توضيح خصائص الصحفي كونه مجالا تخصصيا يبنى على دراسات وعلوم وتجارب، إلا أن بقاء تلك الفنون بخصائصها وخصالها وشروطها، لا بد أن يراعي حاجة كل عصر؛ من حيث الأداة التي تنقل المعلومة؛ لذلك فتحديد إطار واحد للصحافة لم يعد مقبولاً أو معمولا به؛ وبالتالي نحن بحاجة إلى تقييم واقعي لهذا المسار، عبر التلاقح بين أفكار الأكاديميين وتجارب المحررين في مختلف الوسائل الصحفية؛ بناء على ما يقدم في الساحة الصحفية، ولعل البارقة ستكون في عمق المفاهيم التي تقدمها "الإجادة الإعلامية" في عودتها والمعول عليها في تحفيز الصحفيون على تطبيق صحافة واقعية.

عودة مسابقة الإجادة الإعلامية من جديد إلى الساحة هي مؤشر مهم يسهم في بلورة الحراك الإعلامي في مختلف المؤسسات لا سيما الصحفية، ولطالما انتظر الصحفيون عودة هذه المبادرة نظرا لما تمثله لهم من أهمية في صقل قدراتهم ودفعهم إلى الأمام في عالم إعلامي متغير ومتجدد، فالمسابقة تساعد على تجويد الأعمال الصحفية، وتحدد مدى اتساع واستثمار هامش الحرية الذي ينادي به الكثيرون، كما أنها تعد مؤشرا حقيقيا لقياس قوة التزواج بين الإعلام الورقي والإلكتروني؛ مما يؤكد أهمية تكامل الحقبتين الإعلاميتين مع الاحتفاظ بخصوصية كل مرحلة.

لقد اعتمدت بعض وسائل الإعلام "الصحف" على ما يصلها من أخبار ناقلة للحدث فقط دون الغوص في تقييم الحدث الذي يفترض أن تشتغل عليه الصحافة حتى لا يكون هدفها "التلميع"، وبالتالي نجد الحدث مكررا في أكثر من وسيلة وبنفس الصياغة، مما يؤثر على أداء وتطور الصحفيين؛ حيث تتعطل كفاءتهم وتتوقف قدراتهم وستسير في وتيرة واحدة دون تحقيق تقدم يذكر في مسار الصحافة العمانية، وهذا ليس باتهام وإنما ظاهرة تتوسع يوما بعد يوم لعدم وجود تجديد في القوانين الصحفية.

الظروف الاقتصادية التي تمر بها مختلف المؤسسات الصحفية أسهمت في عدم تأهيل الكفاءات وتكريس نظرية الاعتماد على تغطية المساحة، إلى جانب تمنّع الكثير من مصادر المعلومة عن الإدلاء بها، مع وجود فجوة بين المؤسسات الخدمية ومتطلبات بعض الصحفيين؛ مما جعل الصحفيين ينتظرون الخبر بحسب مقاييس تلك الجهات خوفا من أن يقعوا في المحظور، وهذا يدفعنا إلى الحرية المكفولة أو الممنهجة التي تحمي الصحفيين من المساءلة إذا امتدت المهنية إلى ما يمكن اعتباره إثارة للرأي العام والتعدي على القوانين؛ لذلك نحن بحاجة لصياغة قانون يتماشى مع تلك المستجدات والظروف المؤسسية التي تسير فيها مختلف المؤسسات.

إن الطموح كبير في نقل هذه المسابقة إلى آفاق أبعد؛ من حيث تنويع مجالاتها، خاصة فيما يخص الدراسات والبحوث العلمية الإعلامية، والتي بدورها سترفد المنظومة بأفكار متنوعة وتوظف توصيات رسائل الدكتوراه والماجستير التي أصبحت ظاهرة يفترض الوقوف عليها.. فالإجادة الصحفية التي يطمحُ المجتمع الوصول إليها تتمثل في قوة الإعلام كمنظومة إستراتيجية تلهم المتخصصين فيها والدارسين لأطرها وتشريعاتها الأفكار المتجددة لمواكبة العصر التقني بكافة أبعاده، كما أنها تستوضح المرحلة التي وصل إليها إعلامنا العماني وآلية التغلب على الصعوبات التي باتت تشكك في المصداقية والموضوعية في الطرح الصحفي.

كما أن الجدية التي يجب أن تتحلى بها المؤسسات الصحفية لا تتوقف على كوادرها فقط، وإنما هناك دور مهم يتمثل في التشريع الذي يمنحها القوة والمكانة حتى تكتشف مكامن الخلل في المجتمع، وتدق ناقوس الخطر لكثير من القضايا، وهذا يفضي بنا إلى تأسيس صحافة متخصصة في مختلف المجالات الحيوية والتي تشكل بناء الدولة العصرية.

مسابقة الإجادة الإعلامية خارطة طريق مُتقنة من أجل تحفيز الصحفيين والمؤسسات لتقديم الصحافة في ثوبها الحقيقي والمتسق مع السياسات الإعلامية المتجددة في كل مرحلة من مراحل الحياة.

-----------------------

همسة:

نحتاج إلى ثورة فكرية إعلامية تدفعنا نحو تحديد مسارنا الإعلامي.. فكل الشكر لوزارة الإعلام على أفقها الواسع والمحفز لتطوير الإعلام العماني.

abuzaidi2007@hotmail.com