المزايدون على الوطنية

 

مسعود الحمداني

(1)

الوطن ملكٌ للجميع، والجميع ملكٌ للوطن..!

لذلك على الجميع أن يذوب في الواحد، لا أن يذوّب البعضُ الوطنَ في أشخاصهم، ثم يجلسون ليحتسوه في غياهب المكاتب التي تحيك القرارات لمصالحهم، ويصدرونه كقرار وطني، وينسون أنهم بوطنهم يعلون، وبدونه يهبطون.

على هؤلاء أن يكونوا أكثر قدرة على حب الوطن.

(2)

في قلب كل مواطنٍ وطن.. عليه أن يهبه حياته؛ فلحظة التوقف عن حب الوطن، تتوقف آلات العمل، وتتراجع عجلات الزمن، لتدوس على رقاب من أهمل واجباته تجاه وطنه، ونسي ما قدّمت يداه لأجله.

تذكروا أن الوطن أكبر من مساحات العمل، وأقدس من مسافات الأفراد.. أو مصالحهم الضيقة.

(3)

يتذمَّر البعض من الوطن، ويطالبونه بما هو أكبر من طاقته.. إنهم يختصرونه في أشخاصهم، ويعتقدون أنهم أفنوا زهرة شبابهم في خدمته، غير أن الوطن نسيهم -كما يدَّعون- رغم أنهم في الواقع أخذوا حقهم وزيادة، وأغدقت الحكومة عليهم مالا وأراضي وكل شيء غلا ثمنه، حين كانوا على رأس أعمالهم، وحتى بعد الخدمة، ولم يبقَ لهم غير أن يكونوا أكثر إيثارا على رد العطاء.

إنه الجشع الذي لا ينتهي؛ فلا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، والواقع أن البعض يظل يبحث عن "التراب" حتى بعد موته!!

 

(4)

البعض يزايد على حب الوطن، ويعتقد أنه الحارس الأمين عليه، رغم أنه يأخذ على كل كلمة يكتبها مقابلا، وعلى كل تغريدة ينشرها وعدا، وعلى كل عمل يقوم به مكافأة، ثم يدّعي -بعد ذلك- المثالية، ويزاحم الآخرين على إيمانهم بالوطن!!

ليس للوطن سَوْءة أيها المزايدون لتدثروها، دثروا ما تكتبونه بما تؤمنون به حقا، لا بما تراهنون عليه، واستروا سوءاتكم بحب أوطانكم.

 

(5)

لم تسقط الأوطان ذات القيم العالية، بسبب مجموعة طالبت بحقها، أو بسبب فئة نادت بما تراه مناسبا لها، أو بسبب مواطن علا صوته مطالبا بتصحيح مسارٍ خاطئ، أو تعديل قانون جائر، أو بسبب تغريدة مواطن غرَّد منتقدا توجها سلبيا، أو طالب بالقضاء على الفساد.. سواء كان على حق أو لا.

فالأوطان القادرة على الصمود هي تلك الأوطان التي تستمع لآراء منتقديها، وتشرك مواطنيها في القرارات، فليس كل من طالب بحقٍّ يعتبر خائنا، أو صوتا نشازا، قد يكون ذلك المنادي هو المواطن الحق، المحب لوطنه لا لذاته. أما الذين يدسون رؤوسهم في الرمال، فستظل أوطانهم قابعة تحت الرمال مثلهم.

 

(6)

الوطن يعلو بصوت المحبين له ولو قسوا.. ويسقط حين يصم أذنه عن كل صوت يهديه عيوبه، وهي في الحقيقة عيوب أولئك الذين يعتقدون أنهم الأكثر فهما من غيرهم.. أولئك الذين يخلطون بين الوطن وبين مصالحهم الضيقة، والذين اختصروا الوطن في أشخاصهم، الذين أخذوا كل شيء، ولم يشبعوا أو يقنعوا، ثم جلسوا في المكاتب المغلقة يتباكون على الوطن، الذي ضيَّعوه حين كانت مقدّراته وثرواته بين أيديهم.

Samawat2004@live.com