من أدب الحرب:

فرسان قلعة النور

...
...
...

ماهر القصير – المملكة العربيّة السعوديّة


توطئة بقلم الناشر: هذه الرواية فريدة في موضوعها، وشخصياتها، وأحداثها، وأماكنها، وتسجل سبقا لمؤلفها ككاتب شرقيّ يُلم بخفايا العالم الغربي بتلك الدقة المدهشة مما يجعل روايته عالمية بكل المقاييس، إن المقتني لهذه الرواية لن يكون قد اقتنى عملا أدبيا متميزا قد قرأه فحسب، ولكنه قد امتلك مرجعا يفسر له ما حدث وما يحدث وسيحدث في عالمنا الغريب.
إنّ رواية (فرسان قلعة النور) للباحث والروائي السعودي ماهر القصير تؤكد أن الحرب أصبحت معلنة وهي مستمرة وبالتوازي معها هنالك حروب سريّة خفيّة بين العشيرة المستنيرة وعشيرة المتنورين وكل منهما استخدم كل أساليبه وشياطينه وملائكته في هذا الصراع الأزليّ، ومازال الفرسان في قلعة النور يحمون أسوار قلعتهم من أي شيطان يحاول أن يتسوَّر قلعتهم الخفيّة التي كانت ومازالت حسب رأيهم تعمل من أجل رسالتها الإنسانية لرفع الإنسان إلى مستوى النور الذي زرعه الله في قلبه وروحه حتى لا يسود أبناء الشيطان في مملكة النور.
لكن؛ هل سينتهي هذا الصراع في يوم ما؟ من سيكسب هذه الحرب بعد هذه المعارك التي امتدت لمئات السنين؟ من منهم يملك حقّ الدفاع عن الحق والنور والإنسان؟ ما هو مصير البشرية وسط تلاطم المعارك بين هذه المحافل ضد بعضها؟
هذا ما سيجيب عنه التاريخ السريّ لهذا العالم الخفيّ الذي يختلف بقوانينه وأخلاقياته وأسياده وفرسانه عن عالمنا الذي نعيش فيه ونظن أننا نتحكم بمصائرنا وحياتنا التي نعرفها... فإلى مقطع من الرواية يكشف لنا فحواها ولغة الكاتب ما هر القصير.
 (1)
 في شقته الفارهة الواقعة في برج عالٍ من أبراج دبي الشاهقة التي تشبه قمم الجبال, حيث كلما كنت ناجحاً ارتفع موقعك على هذه الجبال, كان الدون/باولو ماتزيني أحد عناوين النجاح في عالم المال ورجال الأعمال, هو مالك هذا البرج الذي عندما صممه وبناه اختار أن يجلس على قمته ويمتلك الطابق الأخير كله كشقة كبيرة واحدة مع مَسْبح وجلسات خارجية وجهَّزه بأحدث وسائل الراحة والرفاهية, ولكن أهم ما كانت تحتويه هو التقنيات الإلكترونية العالية لنظام الاتصالات الدولي المرتبط مع قمر صناعي مملوك لأحد شركاته ليدير امبراطوريته المالية من هنا, كانت الشقة أشبه بقلعة محمية بأفضل التقنيات الخاصة لذلك وغير قابلة للاختراق.
جلس الدون/باولو مساءً في مكتبه ذي الشرفة الزجاجية الكبيرة المطلة على المدينة, يرتشف كوب قهوة بعد أن انصرف طاقم الخدمة إلى مكان إقامتهم في المبنى, أخذ يفكر فيما سيحدث غدًا وكيف يجب أن يتعامل معه بكل دقة دون أي خطأ غير محسوب, غداً سيكون محطة مهمة وخطيرة في حياته, حياته التي كانت عبارة عن قفزات من جحيم لآخر ومن نجاح كبير لآخر ومن قارة لأخرى من معركة إلى أخرى, من العالم العادي المعروف الظاهر للبشرية إلى عالم آخر خفي تدور فيه حروب قديمة ومستمرة قُدِّرَ له أن يكون أحد فرسانه, كل ذلك كان من أجل حماية رسالة جمعيته, كان مرهقا جدًّا حاله حالُ كل إنسان وصل للقمة بالطريق الصعب, حيث إنه ـ دائماـ يكون الحفاظ على البقاء في القمة أصعب بكثير من الوصول إليها, أفكاره مشتتة يفكر بعدة أمور مهمة بوقت واحد وبعد فترة قصيرة بدأ الخدَرُ يسري في جسده, أخذ ينظر إلى أسفل البرج تحته وكأنه يجلس على حافة العالم, أنوار مضيئة مشكلة لوحة تكونت بشكل فوضوي ولكنها متقنة توحي لمن يراها أنها تراتبت واصطفّت خصيصًا لتتكون بهذا الشكل الجميل, تقاطعات وخطوط كل منها أعاد له محطات وتقاطعات في حياته وخطوطًا متعرجة ساقت اندفاعاته ومحطات نقلته إلى أعمار مختلفة التي بالنتيجة شكلته تنويريًا ومعرفيًا خلال رحلته, بدأ يفكر هل ما رآه في حياته تشكَّل بعفوية مثل تحرُّك السيارات والإشارات وخلق ما يعتبره هو نجاحًا وتحقيقَ هدف وجوده؟ أم أن المتتالية القدرية او ما أسماه أستاذه (الاستعداد المسبق للتنور البشري) هي التي حركت ونظمت مسار رحلته؟
هل الحيوات تدرُّجية تصاعُدية أم متساوية, تنقله من بُعد لآخر ولكن بنفس الظروف وله حرية الإرادة في كل مرة أن يختار طريقًا مختلفًا كما مرَّ معه في رحلته التي أوصلته إلى هذا البرج؟
هل هو ينطلق في رحلة قادمة أو هو يعيش رحلة انقضت؟
هل الزمن يقاس أم يعاش؟ أفكار تسللت إلى رأسه وأخذت تستحوذ على تفكيره وبدأت تُفقده حسه بالحيز المكاني والجسدي, بعد لحظات انتقل إلى عوالم روحية أو طيفية, لا أشكال فيها إنما شعور وإحساس فقط هو ما يتحكم في حيزها, بدأ يشعر أنه يطفو ولا يملك أبعادًا لنفسه, فرأى طيفًا يقترب منه كأنه مألوف له ولكنه عبارة عن نور متدفق شعر وكأنه اخترقه, استحوذ عليه الطيف النوراني وأخذ ينقله من عالم لآخر دون أن يملك أن يعترض أو يتحكم بذاته استسلم بكل سعادة للطيف, أخذ يرتفع به الطيف وانتقل إلى فضاء كوني كأنه أوصله إلى أطراف الكون السحيق, بدأ الطيف يتسارع وشعر بنفسه بقوة الدفع الهائلة التي كانت بداخله وتحيطه, تنقَّل وشاهد عوالم مختلفة وأخذ يحاول أن يدرك أشكالها وزمانها, فجأة بدأ الطيف يسقط به من الفضاء إلى أسفل ويتسارع به بالهبوط حتى شاهد شخصًا واقفًا على جسر ما فانطلق الطيف بسرعة نحوه حتى اخترقه وتداخل معه, بعد لحظات بدأ يدرك أنه هو ذاته الشخص الواقف على الجسر وبجانبه شخص يكلمه وبندول يحمل عاشقين تحتهم يتحرك, علم أنه في فينيسيا وكان يساوره قلق ما فبادر بالقول:
-         أشعر أن أحد عملاء مديتشي يراقبنا.
-         دون ماركو أنت دائماً حذر أكثر من اللازم.
-       منذ أكثر من أسبوع وأنا ألاحظ حركة غريبة دائما أمام متجري وهنالك عدة متسولين دائما ألاحظهم في أكثر من مكان في المدينة.
 -       أمن أجل ذلك لم تحضر الاجتماع الماضي؟
-        خشيت أن أكون متابَعًا من عيون مديتشي فيتم كشف مقر الجمعية.
-      أنت فقط قلق بعض الشيء لاقترابنا من تنفيذ الخطة التي ستطيح بمديتشي. أنت بنفسك قد وضعتها وخططت لكل شيء فلا أفهم ترددك دون/ماركو, المفترض أنك ستقود العملية بنفسك فكيف ستقودها وأنت بهذه الحالة من الخوف.
-       دون/أنريكو أنت تعلم أني لست من هذا النوع ولكن العمل السري يحتاج الحذر, أبلغ الجميع أن العملية تأجلت للشهر القادم في احتفالات عيد القديس ماريو في 25 أبريل القادم.
-      ماذا تعني أنك ستؤجل العملية؟ لقد تم تجهيز كل شيء والأخوة الأعضاء قد وصلوا بالفعل من العديد من الإمارات الأوربية.
-        أمْنُهم أهم من العملية الآن. اليوم يجب تبليغ الجميع أن يغادروا فينيسيا الليلة إلى جنوا ويختفوا عن الأعين لمدة يومين ثم يعودوا إلى مدنهم, دون/أنريكو لا نريد أن نخسر جميع أعضاء الجمعية لو حدث أي طارئ ولم ننجح بخطتنا, على الأقل يكون هنالك من يكمل رسالة الجمعية, كان خطأ جمع كل الأخوة في مكان واحد.
-       هي وجهة نظر سديدة! لكن كيف ستتأكد من أننا جاهزون بعد شهر للتنفيذ؟
-       سنعمل على نقل أفراد عوائلنا إلى إسبانيا أولاً لنحميهم, وقد تواصلت مع رجلنا في القصر الإسباني ليرتب أن يكونوا  تحت رعاية وعهدة الملك فيليب الخامس حتى انجلاء كل الأمور ونتأكد من سلامتهم في حال نجاح خطتنا نعمل على إعادتهم, الملك فيليب الخامس شريكنا بطبيعة الحال لحربه على الخلافة مع آل بوربون ولتحالف مديتشي مع آل بوربون ضد الملك فيليب الخامس في حربه للخلافة الإسبانية معهم, فله مصلحة بقضائنا على حليف عدوه وهو من وفَّر لنا المال والرجال اللازمين للقضاء على عائلة مديتشي وأتباعها في فينيسيا وروما, تم تجهيز مركب لينقل أطفال وزوجات الأخوة بعد يومين بعدها سيتضح لنا الوقت المناسب للتنفيذ.
-     سأرتب لجميع هذه الأمور اليوم, ليلاً سيكون الجميع على علم بهذا الترتيب.
-      سيرافقهم بعض الفرسان من مارسيليا ويؤمِّنون لهم الحماية حتى الوصول إلى فالنسيا, فلا أثق بأحد من فينيسيا الآن حيث من الممكن أن يكون أحدُ عملاء مديتشي قد اشتراهم, فطلبت من أخوتنا في مارسيليا أن يرسلوا لي بعض فرسانهم.
بدأ الطيف ينتزعه من الجسد المتمثل به ويسحبه من الموقع, ما زال يرى الشخصين وهما واقفان على الجسر يتحدثان, وأخذ الطيف يرتفع من جديد ويتسارع بشكل هائل حتى إنه بدأ يشعر بكتلة النور, ثم توقف مرة أخرى وبدأ يهبط بسرعة مثل المرة السابقة, هذه المرة كان الظلام يلف المكان واخترق الطيف النوراني مبنى متواضعا على تلة في فالنسيا, أخذ الطيف يجتاز الطوابق واحدا تلو الآخر حتى وصلا إلى غرفة يجتمع فيها العديد من الرجال, كان هنالك شخص جالس على كرسي مرتفع قليلاً ويجلس بجانبه رجلان على يمينه ورجلان على شماله, كان وراءه شعار مضيء من نور المشاعل المنعكس عليه, إنها دوائر ذهبية وتحتها هرم ذهبي قاعدته إلى الأعلى ورأسه للأسفل ويخترقه خط أحمر, اخترق الطيف الشخص الجالس في الوسط فشعر أنه هو ذات هذا الشخص, وبدأ يقول:
-     اليوم نعلن عودة جمعية الدوائر المستنيرة واجتماع أعضاء العشيرة المستنيرة بعد أن أعتقد أعداؤنا منذ عشرين عاما أنهم قضوا على عشيرتنا ورسالتنا الأبدية في الكفاح من أجل كلمة النور, نعلن اليوم إعادة تأسيس محفلنا.
ثم قام عن كرسيه الضخم وانتصب واقفاً رافعاً كأسا ذهبيا وتبعه جميع الحضور وأخذ يردد (نحارب في الظلام من أجل النور) فقام الجميع بترديدها من بعده (نحارب في الظلام من أجل النور), عندها قام الجميع بشرب نخب قيام جمعيتهم من جديد مرة أخرى في فالنسيا الإسبانية, كان الحضور لفيفا من أهم العوائل الأوربية من إمارات الشمال والجنوب والشرق والغرب الأوربي, ثم انطلق الجميع يحيي الأستاذ الأعظم المؤسس (عاش الدون سلفانو ماتزيني .... عاش الدون سلفانو ماتزيني), ثم جلس الجميع بإشارة من الدون سلفانو الذي ظل واقفاً, وقال:
-      لن نعيد أخطاء من سبقنا. سنعيد قيام عشيرتنا على أسس جديدة, ستكون قائمة على مشاركة جميع الإخوة الأعضاء وليس على فرد ما أو مجموعة أفراد لو تم قتلهم ضاعت العشيرة من بعدهم وضاعت رسالتنا معها لقارتنا الأوربية والعالم, وينتصر حينها أبناء وأتباع الشيطان في التحكم بالدماء البشرية ليحجبوا كلمة النور عن العالم, لذا من اليوم تقوم وتنهض عشيرتنا من جديد على أكتاف جميع الأخوة فيها, الذين أقسموا بدمائهم على الوثيقة التأسيسية لجمعيتنا, علمنا التاريخ أن من أكبر الأخطاء الكارثية لأيّة جمعية سرية هي أن تكون معلنة ومعروفة, لذا من أهم أسلحتنا الآن وفي المستقبل هو أن نتعلم ونحترف الخروج من دائرة النور للظلام, من اليوم لن نعلن قيامنا وستكون أهم استراتيجياتنا عدم الظهور في العلن والتعامل بحزم وشدة مع أي شخص يقترب من كشف أخوَّتِنا أو أعضاء عشيرتنا, لذا اعتمدنا شعارنا المكتوب بدماء الأعضاء كلهم (نحارب في الظلام من أجل النور), لن ننتظر من التاريخ أن يسجلنا على صفحاته بل سنصنع تاريخ البشرية بأنفسنا دون انتظار جزاء أو ثناء, سنكون القلم الذي يكتب التاريخ دون أن يعلم أحد بنا, ستكون دماؤنا الحبر الذي سيسطر به التاريخ الذي نسعى لإحلال السلام فيه دون أن يعلم أحد بدمائنا وتضحياتنا.
علت الهتافات في القاعة ثم تقدم كل شخص إلى الدون/سلفانو ماتزيني وقبل يده كإشارة على الطاعة له كأستاذ أعظم, تتابعوا جميعاً وكان عددهم عشرين شخصا عدا الأربعة الواقفين إلى جانب الدون/سلفانو, عندها بدأت الأنوار تخفت وأخذ الطيف ينتزعه من الجسد الذي اخترقه وبدأ يتضاءل من جديد وعاد يشعر بحالته الطيفية, الأصوات أخذت تبتعد ثم خرج الطيف النوراني من جديد وانطلق متسارعا بنوره إلى الأعلى إلى عوالم وألوان مختلفة من الأضواء التي كانت أيضًا أطيافا تتسارع إلى جهات مختلفة, ثم هبط مرة أخرى الطيف إلى منزل ريفي في ضواحي مدريد, كان هناك رجلان يجلسان متقابلين حتى اخترق الطيف أحدهما, كان الكلام يتم بصوت خافت كانا الدون أنجيلو كالفي والدون أرسينو ماتزيني:   
-        لقد قلقتُ من رسالتك الأخيرة دون أنجيلو, فلو كان ما ورد فيها صحيحا فهذه كارثة عظمى!! لقد أعدتُ قراءتها عدة مرات وفككت شفرتَها عدة مرات لأتأكد أني لم أخطئ في فهم محتواها.
-       لذا قدِمْتُ بنفسي لأطلعك بآخر المستجدات حضرة الأستاذ دون أرسينو.
-      يجب عقد اجتماع طارئ حالاً لأعضاء العشيرة بالسرعة القصوى, لذا أرسلت بطلبهم بالفعل وبعد غدٍ سيكون الجميع حاضرا لنناقش هذا الحدث الكبير ونكون مستعدين له.
-      أؤكد لك أن المعلومات صحيحة وهي من محفل ما يسمى (محفل المجمع الصناعي) في أمريكا ومن أحد أخوتنا الموثوقين المزروعين هناك.  
-      هل تصل بهم الجرأة أن يسقطوا خمس أنظمة ملكية في أوربا, قيصر روسيا وامبراطور النمسا وامبراطور ألمانيا وملك إيطاليا وملك إسبانيا.
-     حضرة الدون الخطة هي أن يتم إسقاط القيصر الروسي أولاً وتنهار روسيا القيصرية بعمل من المحافل الماسونية الروسية المدعومة من (محفل المجمع الصناعي) في أمريكا, وسيتم ذلك بعد سنتين من الآن بقيام حرب كبرى في أوربا كلها تصل حتى الدولة العثمانية التي ستسقط أيضاً وستموّل هذه الحربَ (محفلُ المجمع الصناعي) في أمريكا, بعدها ستعم الفوضى أوربا كلها بأفكار وأيديولوجيات تدعو للثورة على حكام وملوك أوربا كلهم عدا المملكة المتحدة البريطانية التي ستقود بنفسها هذه الثورات في جسد الدولة العثمانية المتهالكة فتقوم الشعوب بالثورات في كل مكان في العالم بعد سقوط القيصرية في روسيا, يقومون بعدها بتقاسم الامبراطوريتين الروسية والعثمانية فيما بينهم تحت شعارات ومسميات مختلفة, وتصبح هذه الدول الأوربية من بريطانيا وفرنسا بعد الحرب مدينة ماليًا (لمحفل المجمع الصناعي) في أمريكا لعدة سنوات قادمة. وهنالك هدف آخر هدف قديم من إسقاط هذه الملكيات, هو إسقاط رمز الإله على الأرض وهو الملك الذي يستمد شرعيته في الحكم كممثل للإله على الأرض وتطبيق شريعته, فبسقوطه يسقط الإله بالنسبة للشعوب وتعم الفوضى الأخلاقية وتسقط الشرعية التي كانت تحمي كيانات هذه الدول, وقد نجحوا بذلك في فرنسا عندما قطعوا رأس الملك لويس السادس عشر وعلى أثره قاموا بفصل الكنيسة عن الشعب والدولة وعزلها, كأنهم بذلك عزلوا الإله في الأديرة وحاصروه وحصروه في دور العبادة, حتى يسود حكم أبناء هذه المحافل في دوائر الحكم واحتكار قرار الشعوب الأوربية.
-        هذه خطة شيطانية!!! بالطبع هذا يستدعي قيام حروب أهلية ودولية وسقوط العديد من الضحايا من أجل جعل أوربا مدينة ماليًا لمحفل المجمع الصناعي وخصوصاً أن بريطانيا فعليًّا مفلسة ولا تملك غطاء من الذهب كافيا ليغطي الجنيه الإسترليني الذي يتم طبعه بدون مقابل حقيقي له, عندها سيلجؤون إلى المصارف الأمريكية التابعة (لمحفل المجمع الصناعي) مخطط متقن ورهيب.
-         ليس هذا نهاية المخطط دون/أرسينو, حيث ـ بعد انتهاء الحرب الكبرى بعدة سنوات ـ سيتم إشعال حرب كبرى أخرى في جميع أنحاء أوربا والعالم, ستؤدي بتداعياتها لحرب أهلية في إسبانيا وإيطاليا لإسقاط الملكية في هذه الدول.
-       طبعاً نحن لا نستطيع أن نترك هذه الملكيات دون مساعدة فهم حلفاء تاريخيون لجمعيتنا, سقوطهم يعني سقوط أوربا كلها وتقسيمها, عندها ستقوم كل مجموعة عرقية بتأسيس دولة صغيرة لها, تكون ضعيفة لوحدها مما يسهل على المحافل التابعة (لمحفل المجمع الصناعي) في أوربا بالسيطرة عليهم وإدارتهم حسب إرادة محفل واشنطن, هذا يضرب كل مساعينا خلال كل هذه العصور لتوحيد أوربا كوحدة اقتصادية سياسية عالمية.
-       يجب أن نتصرف بسرعة ونحرك جميع أخوتنا في أوربا وخارجها لمنع هذا المخطط الشيطاني بأسرع ما يمكن.
أخذ الطيف ينتزعه مرة أخرى من الشخص الذي اخترقه, بدأ يتضاءل من جديد ويشعر بحالته الطيفية والأصوات أخذت تبتعد, خرج الطيف النوراني من جديد وانطلق متسارعا بنوره إلى الأعلى, ثم أخذ الطيف يتباطأ ويعود إلى الأرض مرة أخرى وأخذ يهبط بسرعة أكثر من سابقاتها, ثم أخذ الطيف ينفصل عنه وشعر كأن روحه تخرج من جسده وتُنتزع منه, شاهد الطيف وهو يبتعد عنه لكنه ما زال يسقط بسرعة هائلة, نظر إلى تحت فرأى الأرض تقترب شيئا فشيئا بسرعة, بدأ قلبه يخفق بقوة هائلة وأخذت أنفاسه تنقطع وبرودة الخوف تنتشر في كيانه, عندها أدرك أنه سيُسحق بلا شك, نظر إلى نفسه فرأى جسده تحول إلى كتلة بلورية, اقترب أكثر فأكثر من الأرض حتى اصطدمت هذه الكتلة البلورية بسطح إسمنتي قاسٍ, فسمع صوت تناثُر بلورات جسده إلى آلاف القطع الصغيرة, ثم استفاق من هذه الغفوة التي امتدت لبعض دقائق ولكنه شعر أنها أعمار متتالية قد عاشها كلها وكأنه رُمِي من الماضي إلى المستقبل شعر للحظة أن الزمن اختلط عليه هل هو في الماضي أم المستقبل؟ كان مفزوعًا ومتعرقًا بشدة وكأنه لا يستطيع أن يتنفس أو نسي كيف يتنفس في عالم الفانين مرة أخرى, أخذ يتأكد أنه ما زال في مكانه وفي غرفة مكتبه, كان حلما رهيبا عاش فيه حيوات أشخاص آخرين في أزمنة ماضية وفي أماكن مختلفة ولكنهم جميعهم متشابهون, عاش لحظات حاسمة في تاريخ البشرية وعاش بالوقت نفسه الفشل المتكرر ومرارته لأشخاص حاولوا أن ينقذوا البشرية من حروب ومآسٍ حدثت ودمرت كل شيء من أجل مصلحة عدو الجمعية القديم الذي سجل العديد من النجاحات في القرنين السابقين وهو (محفل المتنوِّرين), أخذ يتنفس بشكل طبيعي ويهدئ من نفسه شيئاً فشيئا, تناول كوب ماء كان بقربه ونظر من جديد لمحيطه حتى يتأكد مرة أخرى أنه في شقته, بعد أن تمالك نفسه اتصل مع شخص ما وقال له:
-      هل كل شيء مرتبا كما اتفقنا؟ هل كل شيء على ما يرام؟
-       بالطبع دون باولو! كل شيء يتم كما قرره الأستاذ سابقاً.. لا تقلق فقد قمنا بتأمين كل الأشخاص الذين سيكونون حاضرين. هل أنت بخير دون؟ صوتك غريب كأنك مريض؟
-        لا ! أنا بخير لا تقلق.
-        هل ترغب أن آتي لك بطبيب الآن إذا كنت تشعر بمرض ما.
-       لا! لا يوجد داعٍ, أراك غداً. تأكد من أن كل شيء يسير كما اتفقنا, يجب أن تصل رسالة استيفان غداً.
أغلقَ الخط وقام لأخذ حماما ساخنا بعدها جلس يقرأ بعض التقارير الموضوعة على مكتبه وتناول كأس نبيذ مع سيجارِهِ الكوبي المفضل ليهدأ قليلاً ثم ذهب للنوم.       
...........................

تعليق عبر الفيس بوك