الدروس الخصوصية.. ترف العلم وتلف المال (1)

عيسى الرواحي

كثيراً ما يسألونني عن رأيي في الدروس الخصوصية، فأجيب مختصرا بأنها ترف العلم وتلف المال.

وليت الأمر مقتصرٌ على ذلك فحسب، بل أبعاد الدروس الخصوصية وآثارها تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، ويكفي أنها تصيب العملية التعليمية في مقتل، ستظهر آثارها على المدى القريب أو البعيد، ورغم ذلك فإنَّ لها أنصارا ومدافعين، ولطالما صارت بيننا حوارات ونقاشات في هذا الشأن مع أولياء أمور وغيرهم من أفراد المجتمع.

والمؤسف في الأمر حقا أن تتحول الدروس الخصوصية في وطننا العزيز إلى ظاهرة آخذة في الاستفحال غير مقتصرة على محافظة دون أخرى أو مرحلة دراسية دون مرحلة، أو فترة من فترات العام الدراسي دون بقية الأيام، وكأنها حالة مرضية سريعة العدوى شديدة الفتك.

أقول موقنا من واقع معايشة البيئة المدرسية ومخالطة كافة أركان العملية التعليمية ومعرفة الواقع المجتمعي وبالأدلة والبراهين إن الدروس الخصوصية ترف العلم وتلف المال، إضافة إلى ما تُحدثه من آثار أخرى غير محمودة العواقب على العملية التعليمية والوضع الاجتماعي، مع وجود بعض الاستثناءات التي يمكن أن نضطر فيها إلى اللجوء إلى هذا المسار، ولنقصر حديثنا في هذا المقال ومقالات أخرى قادمة بإذن الله تعالى على الدروس الخصوصية لطلاب الثاني عشر فقط (الدبلوم العام)، مع العلم بأنَّ هذه الظاهرة قد تفشت في مختلف الصفوف الدراسية.

الدروس الخصوصية ترف العلم وتلف المال حيث توفر المدرسة قدر استطاعتها أكبر كفاءاتها التدريسية في مختلف المواد الدراسية لتدريس طلاب الدبلوم العام، وقلّ أن تجد معلما يدرس الثاني عشر إلا وقد نال ثقة الإدارة المدرسية وثقة المشرفين التربويين بعد أن امتلك الخبرة والكفاءة، فيأتي من طلابه من يلجأ إلى الدروس الخصوصية باحثين عن العصا السحرية مع المدرس الخصوصي، وراسمين صورة عن مدرسهم أمام أولياء أمورهم بأنه ليس كفئا، ولا يفهمون منه شيئا، فيسرع الآباء إلى تلبية طلبات أبنائهم مضطرين إلى توفير المال الوفير لذلك.

وعلى هذا الحجة المُدَّعاة -وهي عدم كفاءة المعلمين بالمدرسة- يحتج كثير من أولياء الأمور بأنَّها السبب الرئيس الذي يجبرهم للسماح لأبنائهم بالدروس الخصوصية، وأنَّ معلمي المدارس يتحملون السبب في إلجاء الأبناء إلى هذا المسار.

والسؤال الذي يطرح نفسه وأطرحه على من يحتج بهذه الحجة: هل تأكد مثل هؤلاء الآباء من كلام أبنائهم فيما يدعون؟ لقد ناقشت أكثر من ولي أمر في هذه النقطة تحديدا، وعند سؤالي كل واحد منهم: هل زرتم المدرسة، وسألتم عن معلميهم، وثبت لديكم أنهم ليسوا أكفاء؟ بكل تأكيد كانت الإجابة "لا".

ومن المضحك المحزن في هذا الأمر أنَّ من أولياء الأمور من يتمسكون بهذه الحجة الواهية في بحثهم عن مدرسين خصوصيين لأبنائهم، في حين يبحثون عن هؤلاء المدرسين الخصوصيين قبل بدء العام الدراسي؛ حيث صار سوق الدروس الخصوصية في بعض المناطق رائجا؛ ما يجعلك تحجز مدرسا لابنك قبل عدة أشهر، وأتساءل هنا: كيف عرف ولي الأمر وابنه أنَّ معلمي تلك المواد ليسوا أكْفاء والعام الدراسي لم يبدأ بعد؟! حدثني ولي أمر قائلا: إنه اضطر أن يحجز معلمين لابنه الذي سيكون في العام التالي بالثاني عشر منذ أواخر عامه الدراسي بالحادي عشر؛ كي يضمن له ذلك! قلت في نفسي أليس ترفا ومباهاة أكثر من كونها حاجة وضرورة؟!

ولك أن تعجب أكثر من ذلك في أنَّ المعلم الذي تُدفع له المبالغ الطائلة للدروس الخصوصية، وأنَّه يملك العصا السحرية في رفع المستوى التحصيلي للابن، هو نفسه المعلم المُنتقد بشدة من قبل آخرين في أنه ليس كفئا ولا يستطيع إيصال المعلومة إلى طلابه.

لا أُنكر طبعًا وجود معلمين لا يملكون الأهلية الكافية في تدريس الثاني عشر لكنها حالات قليلة، ولا أنكر أيضا وجود معلمين مؤهلين أغواهم حب المال فخانوا الأمانة فصاروا يقصرون كثيرا في تدريسهم بالمدارس من أجل إلجاء الطلاب إلى أخذ الدروس الخصوصية، ولكن بلا شك يتحمل الطالب وولي الأمر جزءا من المسؤولية في التعامل مع مثل هذه النوعيات من المعلمين، فهم بذلك متعاونون على الإثم الذي بدأ به ذلك المدرس، وأكمله الطالب وولي أمره.

أخبرني أحد المعنيين بالأمر في وزارة التربية والتعليم أنه بلغتهم إحدى الحالات التي تروج للدروس الخصوصية من قِبل بعض المعلمين داخل المدرسة، والذين يُقصرون في واجبهم الوظيفي، فتم إحالة هذا المدرس للمساءلة، وأردف قائلا: لكن المؤسف أنَّ من أبنائنا الطلاب من يسترون على مثل هذه الحالات، بل ويحبون التعاون معها، ويروجون لها، وبلا شك لا يمكن أن تكون الوزارة رقيبا على كل مدرس، لكنها على أتم الاستعداد في التعامل مع الحالات التي يتم الإبلاغ عنها، وهذا مرهونٌ بأيدي الطلاب أنفسهم... وللحديث بقية في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.