نمط الاستهلاك المفرط

 

حمود الطوقي

عندما يتاح لك فرصة التسوق وشراء المستلزمات المعتادة التي لا غنى عنها من مأكل ومشرب ومواد استهلاكية أخرى، وعندما ترى المستهلكين في مراكز التسوق والهايبرماركت، وهم يجرون تلك العربات وهي مُمتلئة بمختلف الأصناف، ينتابك شعور بأن هذه الأسر التي تزور هذه المراكز -سواء كانت من ذوي الدخول المتوسطة، أو المرتفعة- لم تطرق بابها الأزمة الاقتصادية، وأنها تعيش في بحبوحة من العيش، وأن الفاتورة التي سيتم دفعها في نهاية التسوق، وأيًّا ما كان المبلغ المدفوع، هي حصيلة للنمط الاستهلاكي العشوائي، رضينا ام أبيْنا.

ما جعلني أتطرق للكتابة والحديث عن هذه الظاهرة في هذا التوقيت، والذي أراه مناسبا، هو استفحال ظاهرة التسوق، وشراء الاحتياجات بطريقة عشوائية وجنونية، وكأننا في سِباق من يتسوَّق أكثر ومن يدفع أكثر!!

بالأمس، طرحت هذا الموضوع مُتساءلا على حسابي في "تويتر" عن سبب تفشى ظاهرة الاستهلاك العشوائي، بعد لقائي صُدفة بصديق جاء ليتسوَّق كما أنا هنا أيضا للتسوق، كل منا يحمل ورقة بمستلزمات الشراء، ما لفت انتباهي أن ورقة صاحبنا قد سطَّر وجهَها وظهرَها بمستلزمات امتلأت بها العربة، قلت له مازحا: "هذي تؤكل حارة"، رد عليَّ ضاحكا: "تخيل، هذه متطلبات الأسبوع، وكل أسبوع على هذه الحالة"، هنا كان لابد أن ندق ناقوس الخطر ونفتح مساحة للحوار، علَّنا نجد حلولا لهذه الظاهرة.

استحضرتُ طفولتنا ونحن نهبط السوق، وكان شراء الطعام وفق المتطلبات اليومية، وهذا النهج لا يزال قائما في الدول المتحضرة، ونادرا ما يتم تخزين الأطعمة، إلا تلك التي صلاحيتها تمتد لأكثر من سنتين.

في حسابي الشخصي بـ"تويتر"، تفاعل المغردون، خاصة بعد أن نشرت قائمة المشتريات، وكانت الفرصة مناسبة لأن نطرح موضوعا مهما للمناقشة، وطرحنا سؤالا: هل النمط الاستهلاكي يتأثر بالأوضاع الاقتصادية؟ وهل مشترياتنا من المأكولات المختلفة تدار بطريقة صحيحة؟

قال صاحبي إنه في ظل خروج الأم للعمل، وانشغالها بالخروج والزيارات، فإن عاملة المنزل هي من تحدد لنا مستلزماتنا، وعلينا أن نلبي طلبها، وكانت الردود متوافقة ورافضة للنمط الاستهلاكي الذي أصبح ظاهرة مخيفة في مجتمعنا المحافظ.

أُعجبت برد أحد المتابعين عندما قال إنه يناقش زوجته بمتطلبات الشراء، ويمسح الطلبات غير الضرورية.

جل المداخلات وجَّهت انتقادا لعاملة المنزل التي تتصرَّف كما تشاء لتحديد قائمة المشتريات، ووصل الحال بهن إلى المتاجرة بالأشياء وبيعها للعمالة التي تعمل في مجال الإنشاءات مقابل مبلغ زهيد.

هناك أيضا مداخلات حمَّلت الأم (ربة البيت) المسؤولية الكاملة تجاه هذا الإخفاق، معتبرة أنها المسؤولة عن إدارة شؤون المنزل، وأن لزاما عليها عدم الاعتماد على عاملة المنزل في كل شيء.

عندما نطرح الموضوع ننظر إليه أيضا من ناحية اقتصادية، وهو مطلب الآن لانتهاج سياسة ترشيد الإنفاق لكي نواكب متطلبات الحياة، والتي أصبحت مصدر إزعاج.

خلاصة القول.. يجب أن نبدأ في التفكير الجاد بإيجاد نمط عيش جديد يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وأن نكون أكثر حرصًا على معرفة أولوياتنا، وأن نكون على قدر لتحمل المسؤولية، خاصة إذا اعتبرنا أن الحياة بحلوها ومرها ماضية، وأن ترشيد الإنفاق سيعزز من ميزانياتنا الاستهلاكية.

أتمنى أن نتعلم من آرائكم وأفكاركم النيرة، فكلنا في مركب واحد، وكل منا يتعلم من الآخر؛ فثقافة الاستهلاك ملحة خلال المرحلة الآنية والمقبلة.