عبيدلي العبيدلي
حين تنتقل النظرة الثاقبة بين أجنحة الشركات المشاركة في معرض جايتكس الذي يقام سنوياً في مركز دبي الدولي، وأروقة الدول التي تحتضن مجموعة من الشركات، تتداخل أمامها الانعكاسات الإيجابية التي يولدها جايتكس على مسارات الحياة في دبي، وعلى أكثر من مستوى.
فعلى المستوى المالي المحض المُباشر يضخ جايتكس عشرات الملايين من الدولارات على الاقتصاد "الدبوي" بفضل المبالغ التي يدفعها أصحاب الأجنحة والأروقة، حيث تحاذي كلفة المتر المربع مبلغ 2000 دولار أمريكي- مساحة أرض المعرض تربو على 90 ألف متر مربع- يضاف لها مستتبعات ذلك من بناء صرح الجناح، والديكورات المصاحبة له، والأطعمة التي يقدمها لأصحابه وزوارهم. وفي السياق ذاته، وعلى الصعيد الاقتصادي يحرك جايتكس آلات قطاعات أخرى على نحو مباشر وغير مباشر، مثل حركة الفنادق والمطاعم، والإقبال على المجمعات التجارية للتسوق، وعقد الصفقات التجارية بين الشركات العاملة في دبي. حركة لولبية صاعدة يحركها جايتكس تولد معاملات مثمرة تمس جوهر الاقتصاد الدبوي، وتحرك آلياته في اتجاه إيجابي.
أما على المستوى السياسي، فتستفيد دبي من هذه الفعالية في جلب انتباه وحضور الدوائر السياسية في العديد من البلدان المُشاركة في جايتكس من خلال مستوى التمثيل الذي تشارك به تلك البلدان في المعرض، فتتم على هامشه، بفضل ذلك الحضور، مجموعة من اللقاءات السياسية عالية المستوى تدور خلالها مناقشة بعيدة كل البعد عن صلب موضوعة الفعالية وهي التقنية والاتصالات، وتنعكس بدورها إيجابياً وفي النطاق السياسي على الحضور السياسي الدبوي على نطاق ضيق، والإماراتي على وجه أكثر اتساعاً في دوائر صنع القرار السياسي في عواصم العالم المختلفة ممن شاركت مؤسساتها في جايتكس.
وفي الأفق الاجتماعي، يولد المعرض فرص عمل مؤقتة خلال فترة إقامته، وثابتة إثر انقضائه. وإذا ما أدركنا أن هناك أكثر من فعالية تقام سنوياً في المركز ذاته، نكتشف أن فرص العمل المؤقتة تتمدد بشكل تلقائي كي تقترب من الدائمة. من هنا يمكن القول إن جايتكس، يساهم بشكل مباشر، وفي حالات كثيرة، غير مباشر، في توليد فرص عمل جديدة، وتطوير أخرى قائمة، تساهم محصلتها في خفض نسبة البطالة بين المقيمين في دبي، سواء في صفوف سكانها، أو من قدموا بحثا عن فرصة عمل لائقة.
وفي الفضاء الإعلامي، يكرس إعلام جايتكس المنتشر في وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية حضور دبي على خارطة العالم، وعلى وجه التحديد في طرق وجادات صناعة تقنية المعلومات والاتصالات، ويموضعها كمركز عالمي متقدم في هذه الصناعة، قادر على استقطاب انتباه، وفتح شهية الاستثمارات الباحثة عن فرص مجدية تحقق نسب الأرباح المجزية التي تبحث عنها. ويتحول الإعلام هنا إلى قناة فعالة تولد فرص جلب الاستثمار الخارجي المباشر في فترات قصيرة نسبيا. هذا التفاعل بين الإعلام والاستثمار، وما يصاحبه من تأثيرات إيجابية متبادلة بين القطاعين ينمو بشكل تلقائي، يولد حاضنة ولادة قادرة على استحداث مجالات واسعة جديدة أمام قطاع الأعمال الدبوي ورأس المال العالمي.
مشاهدة هذه الآفاق والمستويات والفضاءات على نحو متكامل، وفي منظومة متناسقة، تثير أمام زوار جايتكس، ومن بينهم البحرينيين، مجموعة من الخواطر، تتوزع بين الهموم والطموحات، يمكن إجمالها، وعلى نحو خاص في البحرين في النقاط التالية:
- ما الذي يحول دون صناعة المعارض البحرينية؟ ولابد من التشديد هنا على الصفة الصناعية، فعند الحديث عن جايتكس، وكما هو مشروح أعلاه، لم تعد المعارض اليوم فعاليات ترفيهية، يقتصر دورها على عرض الأشياء كما نشاهده في "فترينات" المحلات التجارية، بل هي صناعة راسخة قائمة بذاتها. تتميز هذه الصناعة بشموليتها، ومن ثم فمسؤوليتها، بالمعنى الشمولي، لا تنحصر في وزارة معنية أو هيئة محددة، بل تمس أنشطة مجموعة من الوزارات، وهنا يكمن سر نجاحها في دبي.
- بخلاف دبي، حيث تخطف الجاليات المقيمة نسبة عالية من فرص العمل التي تولدها معارض مثل جايتكس، بوسع صناعة المعارض البحرينية الناجحة، عندما ترى النور، أن تمارس دورا إيجابيا مهما في تقليص نسب البطالة في صفوف الشباب البحريني الكفؤ الباحث عن فرص عمل توفر وظائف مجدية، ومجزية. ليست العلاقة هنا استاتيكية هامدة، بل هي ذات طابع ديناميكي متحرك، قادر على التأسيس لعلاقة ناجحة بين طرفي المعادلة: فرص العمل التي تولدها هذه الصناعة، والشباب البحريني المتلهف عليها.
- كيف في وسع الجهات البحرينية ذات العلاقة بصناعة المعارض بناء نظام الصدى (Echo System) المطلوب، القادر على: تلمس احتياجات السوق البحرينية لمقومات هذه الصناعة، وكيفية ربطها بآليات الاقتصاد الوطني، وسبل توثيق أطرها بالمفاصل الوطنية الضرورية التي تحولها من مجرد صالة عرض محدودة الإمكانات، متواضعة الخدمات، إلى صناعة وطنية متألقة تمارس دورها المطلوب، وتحقق أهدافها المتوخاة. هذه العملية في غاية التعقيد، وكذا الأمر بالنسبة لنظام الصدى العمودي المرافق لها، ومن ثم فمن الخطأ الفادح ولوجها بخطى متسرعة، لكن من الخطأ أيضا التلكؤ في البدء بالخطوات الأولى على طريق التأسيس للنظام المطلوب.
- من الضرورة بمكان تحاشي التقليد العفوي الأعمى للتجربة الدبوية، التي هي بنت زمانها ومكانها. فظروف دبي مختلفة، وعلى مستويات عدة عن الظروف البحرينية، ومن ثم فالمدخل الصحيح للتأسيس لصناعة معارض بحرينية ناجحة، ينبغي لها أن تكون، وعلى نحو دقيق، محددة الأهداف، واضحة المعالم، راسخة الأركان، تنطلق من ظروف البحرين الذاتية، وتسكب نفسها في قالب إقليمي قادر على انتشالها من واقعها الذي تعيشه، كي يتمكن مكن الوصول بها إلى المستوى الذي تطمح له.
هناك خواطر أخرى بطبيعة الحال، لكن السرد أعلاه كان الأسرع حضورا والأكثر إلحاحا في أذهان البحرينيين ممن شاركوا في جايتكس 2017 أو زاروا أجنحته، وطافوا بأروقته.