النجاح الحقيقي في نجاح التفاصيل

 

د.حارث الحارثي

 

يزخر تاريخ المؤسسات بالعديد من قصص الخطط التي وضعت أطرها العامة بكل عناية وإتقان ليكون الفشل حليفها مع تحولها من النظرية إلى التطبيق العملي. دراسة أغلب قصص الفشل هذه تصل بنا إلى نتيجة واحدة وهي "نجاح الخطط يتوقف على نجاح تفاصيلها" وليس أطرها العامة فقط وهذا أمر يستحق أن يعطى العناية الكافية ضمن مراحل التخطيط. في هذا المقال سأحاول التطرق إلى محددات نجاح تفاصيل الخطط مع بعض الأمثلة.

 

لنبدأ بوصف مبسط لمرحلة "حضانة الخطة". تبدأ الخطط عادة بـ "فكرة" لتناول أمر جديد أو أمر قائم. منبع الفكرة -في العادة- يكون من الجانب الإداري للمؤسسات وبالتحديد من قبل المديرين. تمر الفكرة بمراحل التسويق والدراسة ضمن حلقات مجلس الإدارة إلى أن تصل إدارة المؤسسة إلى مرحلة الاقتناع بها و"قرار" تبنيها كـ "مشروع" توضع له خطة. يتحرك المشروع -على مستوى الإدارة- من خلال مراحل توضيح وتبني الرؤية ووضع الإستراتيجات والأهداف. يتم وضع "مهام" محددة ضرورية لتحقيق الأهداف وتعطى هذه للوحدات المختصة "لتنفيذها".

 

النقطة الأولى المهمة لنجاح تفاصيل أي خطة تكمن في إدراك "أن التفاصيل هي مهمة ومحورية". عند دراستنا للخطط "الممتازة" الفاشلة، سنجد أنها تبدأ من منبع وحيد وتسوق من قبل أصحابها الذين آمنوا بفكرتها ونظّروا لها كوصفات مضمونة النجاح لحل المشاكل المختلفة التي تواجهها مؤسساتهم أو تحقيق أرباح وأكدوا لمرؤوسيهم أنهم قادرون ويعرفون بالضبط كيف سيقومون بـ "التنفيذ" الناجع. تركيز أصحاب الفكرة لا يتعدى في أغلب الأحيان الأطر العامة للفكرة ولا يتم التطرق للتفاصيل إلا في مراحل متأخرة من "دورة حياة الخطة" وبدء التنفيذ.

 

النقطة الثانية والمهمة هي في إدراك أن التفاصيل هي أمر "تقني" يجب أن يشرك في قرارها من "يعرف كيف يتم تنفيذها". أصحاب الأفكار قد لا يكونون الأفضل في التطرق للتفاصيل ولكن دوافع الحماس أو الاستئثار أو غيرها تعزل التقنيين من الاشتراك في مرحلة التخطيط أو يتم تهميش مساهماتهم.

 

النقطة الثالثة المهمة لنجاح تفاصيل الخطط هي في التواصل بها مع "الذين سينفذونها" بتوضيح "الفائدة" التي ستأتي للمؤسسة والتأكد من اقتناعهم وإيمانهم بالخطة وتوضيح دورهم "المهم" لإنجاحها. أكبر عقبات تنفيذ التفاصيل هو عدم وضوح الدور وعدم إحساس العاملين في المستويات الدنيا للمؤسسات بأهميتهم و"ملكيتهم" للنتائج.

 

النقطة الرابعة -والأخيرة- لنجاح تفاصيل الخطط هي في وضع وتبني مؤشرات "ذكية" تكون محددة ودقيقة وهادفة ومتواصلة لمتابعة وتقييم تنفيذ التفاصيل وعدم ترك حبالها على الغارب. وضوح مسؤولية الإدارة في متابعة المؤشرات وقدرتهم على  تكييف "الخطة" بناءً على معطيات تقييم التفاصيل يعطي المؤسسة القدرة على تركيز الموارد للوصول إلى نجاح الخطة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك