الفنون التراثيّة في الدراما العُمانية (7)

شيخة الفجرية


تمتلك الدراما العُمانية مبررات كثيرة لصنع دراما ناجحة وهادفة، إذ أن كمية ونوعية الفنانين العمانيين المخضرمين المعروفين على مستوى الوطن العربي مثل الفنانة القديرة فخرية خميس والنجمة بثينة الرئيسي والنجم إبراهيم الزدجالي والفنانة إيمان محمد علي، والفنان طالب محمد والفنان صالح زعل والفنان سعود الدرمكي والفنانة شمعة محمد والفنان جاسم البطاشي والفنانة غادة الزدجالي ومجموعة من الفنانين العُمانيين(1)، سواء أولئك العاملين في الدراما العُمانية منذ السبعينيات إلى اليوم، أم أولئك الذين يرفدون المسرح العُماني بإبداعاتهم، وبخاصة أنَّ النشاط المسرحي مستمر، والعروض المتميزة تجدُ الإشادات في المهرجانات العُمانية والخليجية والعربية وربما العالمية، ويمكنُ تكوين فرق تمثيلية درامية من خلالهم، وثمة من لم تُتَح له الفرصة للعب أي دور، ويمكن الاستفادة من موهبته وهم كثر في الكليات والجامعات العُمانية لهم مهرجاناتهم الجامعية الناجحة, ولابد من التوجّه إليهم، باستثمار مواهبهم في التمثيل، على أن تعطى الفرص للمواهب الحقيقية، فالممثل الموهوب وحده من يستطيع إيصال الرسالة للقارئ الضمني/المشاهد،  ولن تصل الرسالة مالم تؤدَّى بحرفية وتلقائية عالية، فالقارئ الضمني متفاعل مع ما يحرك مشاعره وينفذ إليه، لأنه"...الذي يشاطر، تماماً المؤلف الشفرات النصية، والمعجمية، والثقافية، والإيديولوجية التي يستخدمها..."(2)؛ خاصة إذا ما عرفنا أنَّ" التلفزيون باعتباره أخطر أساليب التأثير في الجماهير لما له من خاصية لا تتوفر في غيره, وهي مخاطبة العين والأذن بالصورة والصوت"(3).
فالموسيقى التصويرية والأغاني المصاحبة للعمل الدرامي التلفزيوني على وجه الخصوص، سواء أغنيتي الشارة في المقدمة والنهاية أم تلك التي يجب أن تتخلل أي عمل درامي عُماني، مُعَبِّرة عن موضوعية الحياة التي عاشها الأجداد، والتي تنوعت فيها الحياة الموسيقية بفضلهم، منتجة عدداً لا يمكن حصره من الفنون الموسيقية التراثية والفلكلورية العُمانية المختلفة، وعليه، فإن الموسيقى يجب أن تكون عصب تنفيذ النصوص الدرامية، فالموسيقى التصويرية رفيقة الأحاسيس المختلفة للنصِّ الدرامي المسرحي والإذاعي والسينمائي والتلفزيوني، إذ ما أن تُنْطَق الكلمات بخلفيِّةٍ موسيقيِّةٍ موازية وملائمة ومتناغمة معها، حتى يصبح للحوارات وقع خاص، تبدو الحزينةَ أكثَر حُزناً واختراقاً للقلوب، فيما تتسارع الضحكات بامتزاج الكلمات الضاحكة والموسيقى المعبرة عنها، كذلك فإنَّ الموسيقى تنوب عن الكلمات في اللقطات الصامتة، من خلال النص الذي يتم تجسيده على الشاشة أو في الإذاعة, فإن هذه الموسيقى" تقدم لنا المتعة والسلوان الإنفعالي والإلهام"(4)، وفي الفنون التقليدية والرقصات العُمانية ذخيرة موسيقية يمكنُ توظيفها في الدراما العُمانية، من خلال تطويرها على أيدي المواهب الموسيقية ذات الحس الموسيقي العالي، ولكن كيف سيتم ذلك في ظلِّ اللاتخطيط، والتنفيذ الفجائي والمُتسرّع، وكأنَّ مسألة الإعداد لعملية التنفيذ للنصوص الدرامية مجرد ضربة حظ لا أهمية لنتائجها وعواقبها، إذ وصلت درجة الإستخفاف بالتنفيذ الدرامي للمسلسلات العُمانية في السنوات الأخيرة إلى أن يتم إنتاج مسلسلات عُمانية من ثلاثون حلقة في أقل من 45يوماً؟!! ومدة تنفيذٍ قصيرة كهذه كفيلة بنسفِ كل ما يمت للإبداع بصلة، في التمثيل والتحضير وبناء الرؤية الإخراجية، بالإضافة إلى تدمير التلقائية والحس الإنفعالي في حوارات النص، ناهيك عن التأليف الموسيقي الإبداعي الذي لا يختلف عن تأليف النصوص نفسها، فالموسيقى التعبيرية(التصويرية) تحتاج إلى جهد مختلف عن الأغنية، وتختلف كذلك عن "تتر" مقدمة المسلسل و"تتر" نهايته، فالمؤلف الموسيقي يحتاج للوقت لقراءة النص الدرامي، ومعرفة فكرة المسلسل، وفكرة الحس الدرامي فيه، إن كان حزيناً أم فكاهياً، وموقع الألم والقلق والخوف، والصدمة، والمفاجأة والحب والخيانة وغيرها من السكنات والتحولات الشعورية في كل لقطة ومشهد من المسلسل؛ مع ضرورة فهمه للشخصيات الرئيسة فيه.
وإجمالاً، يقول الملحن العُماني "فتحي محسن": لابد من معرفة الفكرة العامة، والجلوس مع الكاتب والمخرج، ومعرفة تفاصيل الشخصيات، فربما هناك مشاهد مركبة فيها قلق وخوف وتوتر في نفس الدقيقة الزمنية، الشيء المهم أيضا حركة الكاميرا، وهل سينفذ المخرج مسلسله بأسلوب "موديرن" حديث، أم بأسلوب تراثي سيحتاج العودة إلى الجذور الموسيقية العمانية لمحاكاتها، بحيث  يكون التأليف الموسيقي ملائماً لأسلوب النصّ وطريقة الإخراج، بالإضافة إلى تداخل اللحن التعبيري مع لحن المقدمة، أمَّا الأغاني المنفردة داخل المسلسل، فإنَّ كل أغنية تأخذ جوّها العام، والصعوبة تكمن في أن يكون المخرج منتظراً الموسيقى، دون أن يرى المؤلف الموسيقي المشاهد المكتوبة التي سيؤلف موسيقاه عليها، وأهم الصعوبات حين تأتي الأعمال الدرامية في آخر لحظة(5)؛ فإذن الوقت هو ما يحتاجه المؤلف الموسيقي، وأنّا له الوقت وأغلب المسلسلات الدرامية العُمانية تُنفذ في فترة زمنية قياسية وصلت إلى45 يوماً لتنفيذ ثلاثين حلقة أي ما يقارب العشرون(24) ساعة بث بمقدار 45دقيقة للحلقة الواحدة، والحلقة الواحدة تتضمن مالايقل عن 50 صفحة أي مالا يقل عن 45 مشهد للحلقة الواحدة، ليكون المجموع 1500 صفحة، أي ما لا يقل  عن 1300مشهد ولقطة، كيف تنفذ في  أقل من 6 إلى  7 أشهر!!! كيف ستتوزع المشاهد؟ ومتى سيتهيأ  كل ممثل لتجسيد الحالات الإنفعالية المختلفة للشخصية، متنقلاً بين الحزن والفرح والضحك والبكاء وووو!!؟؟ في حين تُنفذ أفلام من ساعتين فقط في ما لا يقل عن 5 أشهر!!! وكذلك تُنفذ مسلسلات عربية وخليجية في أشهرٍ طويلة وتكون هي الناجحة دائماً.
ومع العلم أنَّ بعض نصوص المسلسلات العُمانية تُسلم متضمنة بعض الأغاني التي وظفت توظيفاً يناسب النص والبيئة فيه، ولكن يفاجأ أصحابها بأنها حذفت دون أية توضيح للأسباب أو أي استعداد للنقاش، وأغلب الظن أن الذوق الفني والحس الإبداعي للمخرجين يقف خلف كل ذلك، فالمخرج الموهوب صاحب الحس الإبداعي والذوق الفني العالي هو من يُدهش المستمع والمشاهد باختياراته الموسيقية وطريقة توظيفها في المسلسل الدرامي التلفزيوني على وجه الخصوص.
المراجع:
 1.عدد الفنانين العُمانيين القديرين كبير بالنسبة لإنتاج أكثر من ثلاثة إلى أربعة مسلسلات درامية في العام الواحد، وهم من جميع الفئات.
 2.ألان، روبرت: التلفزيون والنقد المبني على القارئ, تر: حياة جاسم محمد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، د ط، تونس،1991، ص24.
 3.عوض، محمد ضياء الدين: التلفزيون والتنمية الاجتماعية، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر ، ط1، 1996، ص42.
 4.ويلسون، جلين: سيكولوجية فنون الاداء، تر: شاكر عبد الحميد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، يونيو، حزيران، الكويت، 2000, ص275.
 5. تسجيل صوتي للفنان/ فتحي محسن،رئيس جمعية العود العُمانية، وله مشاركات في وضع الموسيقى لبعض المسلسلات العُمانية، التسجيل الصوتي بتاريخ1/5/2017م.

تعليق عبر الفيس بوك