ولي في الوضع مآرب أخرى

راشد بن سباع الغافري

حادثة محاولة إغراق القارب الذي يقل مُراسلين إعلاميين بغض النظر عن المهمة التي كانوا فيها وبغض النظر عن المادة القانونية التي تُجرم الاعتداء على موظف أثناء ممارسة مهام عمله، فإن هذا الحدث يجب أن ينظر إليه بصورة أكثر اتساعا وأكثر عمقا!!

فالساحل الذي وقع فيه الحدث يقترب بصورة أو بأخرى من منطقة الدقم التي يُراد لها أن تكون واحدة من أكبر المناطق الاقتصادية ليس على مستوى السلطنة فحسب وإنما على المستوى الإقليمي والعالمي، والمعروف في عُرف الاقتصاديين أنّ الاقتصاد والأمن يشكلان علاقة طردية مفادها كلما زاد الأمن زاد الاستثمار والنشاط الاقتصادي وكلما قلّ ذاك قلّ هذا، وبالتالي فإنَّ سواحل محافظة الوسطى بحاجة ماسة إلى تنظيفها من كل ما من شأنه تكدير تلك العلاقة إذا ما أردنا تشكيل تكتل اقتصادي عالمي على هذه السواحل.

وقد يكون من المفارقات أن يقع هذا الحدث في الوقت الذي كثر فيه الإعلان عن توقيع اتفاقيات استثمارية مختلفة في هذه المنطقة مع دول عدة وأيضًا أن يقع في خضم الإعلان عن مناقصة ميناء الصيد بالدقم ومخطط منطقة الصناعات السمكية وكأن هذه الواقعة جاءت متحدية لتلك الإرادة الوطنية ولسان حالها يقول إنها قادرة على تعكير الأجواء وتكدير الأفراح.

 

إنَّ الإعلان الرسمي عن الحادثة من خلال التلفاز وما صاحب ذلك من تفاعل مجتمعي في وسائل التواصل ينبئ بلا شك عن أهمية الواقعة وأنها لا يجب أن تمر مرور الكرام خصوصًا وأن التفاعل المجتمعي في هذه الوسائل كشف عن الكثير من الممارسات الخاطئة التي تقوم بها العمالة الوافدة بحق ثروات الوطن.

 

هذا الإعلان الرسمي لا شك أيضاً أنَّ هناك من يتابعه ويرصده ويتفاعل معه من خارج السلطنة باعتبار أن كثيراً من الدول والمستثمرين يسعون للحصول على فرصة استثمارية في هذه السواحل وبالتالي فهم متابعون جيدون لما قد تسفر عنه هذه الواقعة ما إن كان سيحد منها ومن أمثالها لتهيئة المناخات الملائمة للاستثمار المنشود أو أنها ستترك دون علاج كما ترك واقع هذه العمالة ليتفاقم إلى حد الضرر بكل شيء.

 

بالتأكيد نحن نثمن دور الجهات الأمنية التي تبذل الكثير من الجهد في سبيل حماية هذه السواحل وغيرها من ربوع هذا الوطن والدلالة على ذلك واضحة من خلال الأخبار التي نسمعها بين الفينة والأخرى حول نجاح هذه الجهات في القبض على كثير من المُتسللين والإيقاع بالمهربين وكشف ملابسات الإجرام والمجرمين وغيرها من الأمور الأمنية التي تدلل على شجاعة الأفراد وبراعة القيادة ودقة القائمين على المعلومة الأمنية.

 

ولا شك أنَّ هذه الجهات تدرك أيضاً حجم المخاطر التي قد تشكلها هذه العمالة على هذه السواحل والحركة الملاحية فيها، فاستغلال هؤلاء في تنفيذ اعتداءات ملاحية أمرٌ وارد في ظل التجاذبات السياسية والعسكرية وتضارب المصالح التي تموج بها المنطقة من حولنا وهو أمر لا نتمنى حدوثه ولكن كثيراً من الأمور لا تؤخذ بالتمني وإنما بالحزم والعزم ولابد من وضع الحالات في الحسبان، وإلا فإن علاج بعض الأمراض قد يتطلب استئصالا مؤلماً في مرحلة ما إذا ما تركت الجروح للتلوث والتقرّح ولم تعالج باكرًا.

 

الواقعة في حد ذاتها فيها تشويه لسمعة السلطنة داخليًا وخارجيًا ليس لكونها محاولة اعتداء فقط، وإنما لأنّ تجمّع هذه العمالة وبتلك الكثافة في هذه السواحل دون أن يكون هناك من شريعة تنظمها وقانون يردعها يشكل علامة استفهام كبرى ويُثير العديد من التساؤلات حول مدى جدية التعامل معها خصوصاً وأن كثيراً منها هي عمالة هاربة أو متسللة أو تمارس أعمالا لا تتوافق مع ما استقدمت من أجله، وبالتالي فإنَّ رد الهيبة التي حاول البعض منهم التهاون بها مطلب مجتمعي وأمني مهم وذلك حتى لا تتحول هذه الممارسات إلى واقع يفرض نفسه ويجبرنا على التعايش معه، فإن كان الحدث اليوم لا يعدو أن يكون بالون اختبار فإنّ غدا قد يصدر من ذلك البالون فرقعة كبيرة تؤدي إلى تبعات خطيرة مالم تعالج بالشكل الصحيح.

 

إنَّ حاجتنا لهذه العمالة لا يعني تركها على هواها، وإنّ إدخارنا لثروات بلادنا للأجيال القادمة لا يكون بتسليم هذه الثروات لهذه العمالة لتعيث بها فسادا وهدرا، وإنما يعني بالضرورة أهمية إعداد وتدريب الكوادر العمانية الشابة لتحمل مسؤولياتها تجاه هذه الثروات قبل أن يصل الأمر لقول البعض في الداخل أو في الخارج (ولي في هذا الوضع مآرب أخرى).

 

همسة أخيرة في أذن المسؤولين مفادها :

ماذا لو قررت العمالة الوافدة فجأة العودة إلى أوطانها لسبب أو لآخر!! كيف سيكون وضع مزارعنا وضواحينا وسواحلنا بدونها في ظل وضعٍ بات فيه كثير من الأبناء لا يعرفون شيئاً عن الزراعة وعن الصيد والثروة الحيوانية اللذين يشكلان عصب الأمن الغذائي؟!

 

ألا يستدعي ذلك وضع برنامج وطني للعماني كي يحرث أرضه ويحرث بحره قبل أن تفاجئنا الأحداث بما لا يخطر على البال.

تعليق عبر الفيس بوك