حمود الطوقي
تابعت، خلال الفترة الماضية، تجاذبات شبكات التواصل الاجتماعي التي شغلت الرأي العام حول ندرة الوظائف، وإلصاق تهمة صريحة بعدم وجود وظائف للمواطن من خلال إدراج وسم في شبكة تويتر حمل عنوان "#عمانيون_بلا_وظائف".
المئات من المغردين تفاعلوا مع الوسم، ومنهم من قدم مقترحات جديرة بأن تناقش وأراها مقترحات طيبة وقابلة للتطبيق والتنفيذ، وقدمت حلولا تساعد الحكومة على النهوض بالمواطن، وإيجاد وظيفة مباشرة له، في ظل وجود سيطرة كبيرة على الوافدين، واستحواذهم على وظائف قد تكون الأولوية والأحقية على القيام بها للمواطن بدلا من الوافد، هذه التغريدات الإيجابية والمبنية على حقائق ووقائع جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار ومراجعتها من قبل الجهات المسؤولة؛ فهي نابعة بحق من مواطن محب لبلده، وينشد الخير والعطاء، لأن عمان تستحق منه هذا العطاء.
وفي المقابل، أرى أن هناك تغريدات أشعلت الوسم من أسماء وهمية غير جادة، وأراها مدسوسة لإشعال الفتنة؛ كونها تغريدات غير واقعية ولا تمس الواقع، ولا تخدم القضية المطروحة، بل تحمل بغضا وافتراء، وتزرع الفتنة بين أبناء البلد، كلنا هنا في مركب واحد، ولا أتوقع أننا لا نريد لبلدنا الاستقرار، ندرك يقينا أن العمل حق مشروع لكل مواطن؛ فبناء الأوطان لا يتم بيد الغير، بل بيد الأبناء المخلصين؛ لهذا كان لزاما أن تتصدر قضية الباحثين عن عمل بين الفينة والأخرى، وتثار هذه القضية أمام الرأي العام.
لم تمر أيام من انشغال المواطن حول قضية الباحثين عن عمل، حتى انشغل المواطن نفسه بقضية جديدة وهي رفع أسعار البنزين، وعدم استقرار السعر، بل هذه المرة وصل إلى أعلى معدل له بمبلغ 205 بيسات للتر الواحد؛ الأمر أخذ بُعدا آخر يقود المواطن نحو التذمر وتوجيه التهم للحكومة باستغلال مكتسبات المواطن، من خلال فرض رسوم زائدة عليه، ومنها بالطبع ارتفاع سعر البنزين. هنا المواطن الذي يشكل نسبة متقاربة مع الوافد يعامل نفس المعاملة؛ فلا يوجد تفضيل له، بل قد يكون بعض الوافدين أفضل حالا كون الشركة التي يعملون فيها تتحمل نيابة عنهم مصاريف الوقود. هذه الخاصية التفضيلية تزيد من عمق المشكلة وتوسِّع الفجوة. وتتعالى الأصوات من هنا وهناك سواء كانت واقعية أو مبالغ فيها، رافضة مبدأ الزيادة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وارتفاع تكلفة المعيشة، ونقص الوظائف المعروضة على المواطن خاصة حديثي التخرج.
وكمواطن أقول إننا سئمنا خلال الفترات السابقة من وجود مظاهر الفساد في بعض المواقع والمؤسسات، وجلد الذات والنظرة السوداوية، ووضع العصا في منتصف العجلة، بحجة الظروف، وأرى أن الحكومة اختارت أن لا تجعل النفط هو المصدر الوحيد للدخل، لذلك لم نعد في سعة من الإنصات إلى حجج واهية وغير مقنعة تقودنا إلى طريق مسدود، مفاده التراجع عما وصلت إليه المخططات التي اشتركت عناصر كثيرة في وضعها.
ليس مقبولا الآن أن نرى خطط الحكومة تتراجع بحجة تراجع في أسعار النفط، وتدني أسعارها؛ فالمتابع للأوضاع في بلدنا العزيز، يلاحظ أن السنوات الأخيرة حملت كثيرا من صدمات التراجع بعد الإعلان عن تنفيذ مشاريع مختلفة، كانت الحل المناسب لتوفير المئات من الوظائف المختلفة، لكننا نرى تراجعا في تنفيذ مشاريع معلنة ومن دون إبداء أسباب، نظن أننا لم نعد في حِل من تقبل هذه الأفكار الآن.
فقذ أفرزت مختبرات البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي -التي اختتمت مع مطلع العام 2017- العديد من الشركات ذات المشاريع القادرة على رفد الاقتصاد المحلي من ناحية، وعلى استقطاب كوادر بشرية عمانية وقوى عاملة وطنية من ناحية ثانية، وأصبح من الملح دعمها ودفعها نحو تحقيق ما تصبو إليه، ما دام ذلك يصبّ في مصلحة الوطن والمواطن، فنسبة المساهمة الحكومية التي تصل إلى 20% فقط، لن تثني بعض الشركات والمؤسسات الجادّة التي ستكون نسبة مساهمتها في المشروع المعتمد من البرنامج هي 80%؛ لأنها تدرك حجم المسؤولية والتنافسية التي تقع على عاتقها؛ لذلك بات جليًّا أن "تنفيذ" يمكنه أن يقود قطار المستقبل بدءا من العام المقبل 2018.
هذا يقود إلى وضع الاعتبارات الملحة بضرورة إعطاء الشباب فرصهم التي تتناسب مع طموحاتهم، خاصة هؤلاء الذين ضحوا بوظيفتهم الحكومية وأسسوا مؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة؛ رغبة منهم في دعم نمو الاقتصاد، وهذا لن يحصل إذا لم تتغير السياسات، ولن يحصل إذا استمرت صناعة (الصدمات) التي تجهض المشاريع الوليدة الراغبة في التنفس والحياة وإثبات الذات، ولن يُقدَّر لهذه الشريحة الشابّة الاستمرار إذا نافس الكبارُ الصغارٓ دون نظرة عميقة إلى أن المستفيد من العمل بجناحين هو الوطن ذاته.
... إن اليقين الذي يسكننا مرتبط تماماً بأن صناعة المستقبل من مختلف جوانبه، على مستوى الاقتصاد والمخرجات التعليمية الداخلية ومخرجات البعثات، كله في النهاية في أحد طريقين، إما تكدّسها أو توظيفها، ففي التكديس تضييع للطاقات في ما لا طائل منه، أما التوظيف فهو يقود إلى الاستفادة من المكتسبات العلمية والخبراتية والتدريبية التي حصدتها تلك المخرجات خلال فترة تعاطيها التعليم والاستعداد لسوق العمل، وهذا يستدعي العمل على جعل المستقبل أقل وطأة مما هو عليه الآن، إذا نظرنا إلى الطرق والوسائل الممكن تحقيقها عبر التنافسية وجذب الاستثمارات الخارجية وتوظيف الإمكانات البشرية العمانية الشابة التواقة إلى العمل والبناء والإنجاز.